الدلائل العقلية : أن اختلاف أحوال الخلق في العقائد والأفعال ، قد يكون لاختلاف جواهر النفوس الناطقة في حقائقها وماهياتها. وقد يكون لأجل الأسباب الخارجية.
أما القسم الثاني من السعادة والشقاوة فإنها لا تحصل إلا لنفوس البالغين. وأما القسم الأول فإنها حاصلة لنفوس الأطفال. لأن النفس إذا كانت في جوهرها وماهيتها شديدة الاستعداد لقبول الإشراق الروحاني ، قليلة الالتفات إلى اللذات الجسدانية ، فهي سعيدة ، والتي على العكس من ذلك فهي شقية.
فإن قيل : «إنه تعالى خلق النار ، وخلق لها أهلا» المراد من اللام : لام العاقبة. كما في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ. لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (١) وسيأتي الكلام في هذا المعنى عند التمسك بقوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) (٢).
الحجة العاشرة : روى مسلم بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص. أنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «كتب الله مقادير الخلائق كلها ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» والاستدلال به : أن الكتابة مسبوقة بالعلم وبالخبر. فلو انقلب ذلك المكتوب عن ذلك المقدار ، لزم انقلاب العلم جهلا ، والصدق كذبا. وذلك محال. واعلم : أن حاصل التمسك بجميع هذه الأخبار ، يرجع إلى هذا الحرف الواحد.
الحجة الحادية عشر : روى الخطيب في تاريخ بغداد ، في باب تاريخ «محمد بن إسماعيل البخاري» بإسناده عن البخاري أنه قال : «أفعال العباد : مخلوقة» ثم قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ثم حدثنا مروان بن معونة حدثنا أبو صلتك عن ربعي بن حراش عن حذيفة ، قال : قال رسول الله عليهالسلام : «إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته» وهذا نص صريح في المسألة.
__________________
(١) سورة القصص ، آية : ٨.
(٢) سورة الأعراف ، آية : ١٧٩.