حدوث تلك الامور ، ولا يتسلسل. بل ينتهي إلى الصفات الأزلية. وحينئذ يعود الإلزام المذكور ، وهو كونه تعالى موجبا بالذات. ثم نقول : لم لا يجوز أن يقال : القادر على الفعل وعلى الترك : يمكنه أن يرجح جانب الفعل ، على جانب الترك. وبالعكس من غير مرجح. ألا ترى : أن الهارب من السبع ، إذا ظهر له طريقان متساويان. فإنه يختار أحدهما على الآخر ، لا لمرجح. والعطشان إذا خير بين قدحين متساويين [فإنه يختار أحدهما على الآخر ، لا لمرجح (١)] والجائع إذا خير بين أكل رغيفين. فإنه يختار أحدهما دون الثاني ، لا لمرجح. فثبت : أن القادر يمكنه ترجيح أحد الطرفين على الآخر لا لمرجح (٢).
سلمنا : أنه لا بد في الفعل من الداعي ، وأن حصول تلك الداعية بخلق الله تعالى. لكن لم قلتم : إن عند حصول تلك الداعية : يجب الفعل؟ ولم لا يجوز أن يقال : إن عند حصول تلك الداعية ، يصير الفعل أولى بالوقوع ، مع أنه لا تنتهي تلك الأولوية إلى حد الوجوب؟
بيانه : وهو القادر لما كانت نسبة قادريته إلى الضدين على السوية ، امتنع صدور أحدهما بدلا عن الثاني. لأن الاستواء يناقض الرجحان. أما إذا دعاه الداعي إلى فعل أحد الضدين ، صار ذلك الضد أولى بالوقوع. لكن بشرط أن لا تنتهي تلك الأولوية إلى حد الوجوب. فلأجل أنه حصل الرجحان ، بسبب حصول تلك الداعية ، لا يلزم رجحان أحد الطرفين المتساويين على الآخر ، لا لمرجح. ولأجل أن تلك الأولوية ، لما انتهت إلى حد الوجوب ، لم يلزم الجبر. وحصل الامتياز بين المؤثر الموجب بالذات ، وبين الفاعل بالاختيار. أما قوله : «إنه حال الاستواء ، لما كان ممتنع الوقوع ، كان حال المرجوحية أولى بالامتناع [وإذا امتنع (٣)] المرجوح ، وجب الراجح. ضرورة : أنه لا خروج عن النقيضين».
__________________
(١) زيادة
(٢) يقول القاضي عبد الجبار بعدم المرجح في حالة الإلجاء يقول : «إذا ألجئ إلى الهرب من السبع ، وهناك طرق ينجو بكلها ، فإنه يقدر على سلوك كل واحد منها ، بدلا من الآخر» [ص ٤٩ المجموع].
(٣) من (ط ، ل)