صار (١) المرجوح ممتنعا ، صار الراجح واجبا. ضرورة أنه لا خروج عن النقيضين فثبت : أن صدور الفعل عن العبد ، موقوف على أن يفعل غيره فيه هذا المرجح.
واعلم : أنه متى فعل ذلك الغير فيه ذلك المرجح ، وجب صدور الفعل عنه. فثبت : أن مجموع القدرة مع الداعي ، يوجب الفعل ، وأنه تعالى ، إن خلقهما : وجب الفعل. وإن لم يخلق مجموعهما : امتنع الفعل. فثبت : أن العبد غير مستقل بنفسه في الفعل وفي الترك. وهو مطلوب.
فإن قيل : هذا الاستدلال في مقابلة البديهيات ، فيكون مردودا.
بيان أنه في مقابلة البديهيات : إن على هذا التقدير ، متى حصل مجموع القدرة مع الداعي ، كان الفعل واجب الوقوع ، ولم يكن للعبد مكانة واختيار في الفعل. فعلى هذا التقدير ، يكون حال العبد دائرا بين أن يجب (٢) صدور الفعل عنه ، وبين أن يمتنع صدور الفعل عنه. وعلى هذا التقدير : يلزم أن لا يكون للعبد مكنة واختيار في الفعل والترك. وذلك باطل في بدائه العقول. لأننا نجد من أنفسنا وجدانا ضروريا أنا إن شئنا الفعل فعلنا ، وإن شئنا الترك تركنا. فثبت : أن ما ذكرتموه من الدليل : واقع في مقابلة البديهيات. فوجب أن لا يستحق الجواب.
سلّمنا : أن ما ذكرتم من الدليل غير واقع في مقابلة البديهيات ؛ إلا أننا نقول : هذا الدليل الذي ذكرتم ، مطرد بعينه في الغائب. وذلك لأن كل ما لا بد منه في كونه تعالى مؤثرا في العالم. إما أن يقال : إنه كان حاصلا في الأزل ، أو ما كان حاصلا في الأزل. فإن كان الاول ، فحينئذ يلزم أن يقال : إن مجموع الأمور التي لأجلها كان الباري مرجحا لوجود العالم على عدمه ، كان حاصلا في الأزل. وأنتم زعمتم : أنه متى حصل الرجحان ، فقد حصل الوجوب. وعلى هذا التقدير يلزم كونه تعالى : موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار. وإن كان الثاني : نقلنا الكلام في
__________________
(١) كان (م).
(٢) يوجب (ط)