اعلم : أن حال هذه المسألة : حال عجيبة. وذلك لأن الخلق أبدا كانوا مختلفين فيها ، بسبب أن الوجوه التي يمكن الرجوع إليها في هذه المسألة متعارضة متدافعة.
وتقرير ذلك : أن نقول :
الجبرية : عولوا في تقرير قولهم على أن الممكن لا بد له من مرجح. وهذه المقدمة مقدمة بديهية. وإذا كان الأمر كذلك ، فالقادر على الضدين يمتنع أن يرجح أحد الطرفين على الآخر ، لا لمرجح. وذلك المرجح ليس منه ، وإلا لزم التسلسل ، بل هو من الله (١). وحينئذ يلزم الجبر.
__________________
(١) يقول المسيح عليهالسلام : «لما كان كل إنسان محتاجا ، كان يعمل كل شيء لأجل منفعته. ولكن الله الذي لا يحتاج إلى شيء ، عمل بحسب مشيئته. لذلك لما خلق الانسان خلقه حرا ، ليعلم أن ليس لله حاجة إليه. كما يفعل الملك الذي يعطي حرية لعبيده ، ليظهر ثروته ، وليكون عبيده أشد حبا له. إذا قد خلق الله الإنسان حرا ، لكي يكون أشد حبا لخالقه وليعرف جوده. لأن الله وهو قادر على كل شيء ، غير محتاج إلى الإنسان. فإنه إذ خلقه بقدرته على كل شيء ، تركه حرا بجوده ، على طريقه يمكنه معها مقاومة الشر وفعل الخير. وإن الله على قدرته على منع الخطيئة ، لم يرد أن يضاد جوده. إذ ليس عند الله تضاد. فلما عملت قدرته على كل شيء وجوده ، عملهما في الإنسان ، لم يقاوم الخطيئة في الإنسان ، لكي تعمل في الإنسان رحمة الله وبره» [برنابا ١٥٥ : ١٠ ـ ١٦].