وأما القدرية : فقد عولوا (١) في تقرير قولهم : على أن حسن المدح والذم معلوم بالبديهة. ونعلم بالبديهة : أنه لو لم يكن العبد قادرا على الفعل لما حسن المدح والذم. وما كان أصلا للبديهي : أولى أن يكون بديهيا.
فالحاصل : أن عمدة الجبرية هي أن الممكن لا بد له من مرجح. وعمدة (٢) القدرية : هي حسن المدح والذم. وهما مقدمتان معلومتان بالبديهية. فقد وقع التعارض بين هاتين المقدمتين في هذا المقام.
وأما الدلائل العقلية : فاعتماد الجبرية على أن هذه التفاصيل ، غير معلومة (٣) لنا فلا تكون مخلوقة لنا. واعتماد القدرية على أن هذه الأفعال ، واقعة على وفق مقصودنا ودواعينا. فهي منّا. فقد وقع التعارض بين دليل العلم ودليل القصد.
وأما الإلزامات العائدة إلى باب الكمال والنقصان فاعتماد الجبرية على حرف واحد ، وهو أن القدرة على الإيجاد صفة كمال ، فلا يليق بالعبد الذي هو منبع النقصان. واعتماد القدرية على حرف واحد ، وهو أن أفعال العباد سفه وعبث ، وإيجادها نقصان. وذلك لا يليق بالإله المتعالي عن النقصان.
وأما الدلائل السمعية فالقرآن مملوء مما يوهم الجبر تارة ، ومما يوهم القدر أخرى.
وأما الأنام (٤) فكذلك جميع الملل والنحل ، بعضهم مجبرة ، وبعضهم قدرية. ولا ترى أمة من الأمم خالية عن هاتين الطائفتين.
وأما الأوضاع والحكايات فهي أيضا متعارضة في هذا الباب. حتى قيل : إن واضع «النرد» وضعه على مذهب الجبر ، وواضع «الشطرنج» وضعه على مذهب القدر. فظهر عندك أن التعارض غالب في هذه المسألة إلا
__________________
(١) فقد عوا في (م).
(٢) وعملة القدرية حسن (م).
(٣) مضمونة [الأصل].
(٤) [الأصل].