واعلم : أن دعوى الضرورة في كون العبد موجدا لأفعاله : [باطل (١)] ويدل عليه [وجوه (٢)].
الأول : إن الناس كانوا قبل «أبي الحسين» فريقان : منهم من يزعم : أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ، ومنهم من يزعم : أنه يحصل بإيجاد العبد (٣) وبتكوينه. والعلم بذلك علم استدلالي. ولذلك فإن جميع مشايخ المعتزلة إنما كانوا يثبتون هذا المطلوب بناء على الدلائل والبينات. ولو كان العلم بهذا المطلوب ضروريا ، لكان جميع الناس الذين كانوا قبل «أبي الحسين» منكرين للبديهيات. أما مخالفوا المعتزلة. فلا شك أنه يلزم على قول «أبي الحسين» كونهم منكرين للبديهيات. وأما جميع مشايخ المعتزلة فكذلك. لأنهم لما كانوا مطبقين على أنه لا سبيل إلى إثبات هذا المطلوب إلا بالدلائل ، كانوا متفقين على أن العلم بهذا المطلوب ليس بضروري. فثبت : أن العلم بهذا المطلوب لو كان ضروريا ، لزم أن يقال : إن جميع الخلق الذين كانوا قبل «أبي الحسين» كانوا مطبقين متفقين على إمكان البديهيات والضروريات. ولما كان ذلك باطلا ، علمنا فساد قول «أبي الحسين».
الثاني : إنا [إذا (٤)] رجعنا إلى أنفسنا ، لم نعلم إلا أن (٥) هذه الأفعال حاصلة على وفق تصورنا ودواعينا. فأما أن المؤثر في دخولها في الوجود هو قدرتنا فقط ، أو مجموع قدرتنا مع دواعينا. أو (٦) المؤثر في حصولها شيء آخر يحصلها مقارنا لذلك المقصود (٧) فذلك البتة غير معلوم. إذ ليس من المشتبه أن يقال : إنه تعالى أجرى عادته بأن الإنسان الذي تكون أعضاؤه سليمة ، ومزاج بدنه يكون خاليا من الأسقام والأمراض ، إذا خلق فيه إرادة حصول شيء ، فإنه
__________________
(١) من (م ، ل).
(٢) من (ط ، ل).
(٣) الله (م ، ل).
(٤) سقط (م).
(٥) لأن (م).
(٦) إلى [الأصل].
(٧) لذات المطلوب (م).