«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» توجب فساد الجبر ، فههنا وجوه أخرى مستنبطة منها توجب فساد القول بالاعتزال.
فالأول : إن شر الشياطين والأبالسة إذا لم يكن لله [تعالى (١)] فيه أثر البتة ، لم تجز الاستعاذة بالله. لأن على هذا التقدير إما أن يكون المطلوب من الله في هذه الاستعاذة : أن يمنع الشيطان بالنهي والزجر والتهديد ، أو بأن يمنعه منه بالقهر والإلجاء.
أما الأول فقد فعله الله تعالى ، فكان طلبه لتحصيل الحاصل ، وهو عبث. وإن كان الثاني لم يجز من الله تعالى أن يفعله ، لأن الإلجاء ينافي كون الشيطان مكلفا.
الثاني : إن الله تعالى إما أن يكون مريدا لصلاح حال العبد ، وإما أن لا يكون كذلك. فإن كان الأول فالشيطان إما أن يتوقع منه إفساد العبد ، أو لا يتوقع منه ذلك. فإن [كان (٢)] المتوقع من الشيطان إفساد العبد ، مع أن الله تعالى يريد إصلاحه ، فلم خلقه؟ ولم يسلطه على العبد؟ وإن كان لا يتوقع منه إفساد العبد. فأي فائدة في الاستعاذة بالله منه؟
وأما الثاني : فهو أن الله قد لا يريد إصلاح العبد. وعلى هذا التقدير : الاستعاذة بالله لا تفيد الاعتصام من آفات الدين والدنيا.
الثالث : إن الشيطان إما أن يكون مجبورا على فعل الشر ، أو لا يكون قادرا على الشر والخير. فإن كان الأول فقد أجبره الله تعالى على الشر. وذلك يناقض الاعتزال. وإن كان الثاني فحينئذ لا تترجح فاعلية الشر على فاعلية الخير ، إلا لمرجح من قبل الله تعالى ـ على ما قررناه مرارا وأطوارا ـ فحينئذ يلزم الجبر ـ فكيف يستعاذ من الشيطان؟
الرابع : إن كان الفعل المستعاذ منه : معلوم الوقوع. فهو واجب
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) زيادة.