الوقوع. وإن كان معلوم اللاوقوع ، فهو ممتنع الوقوع. وعلى التقديرين فلا فائدة في الاستعاذة.
الخامس : إنا إذا قلنا : ضلال الكافر والفاسق ، إنما حصل من وسوسة الشيطان. فإن قلنا : إن ضلال الشيطان ، إنما حصل من شيطان آخر. لزم التسلسل. وهو محال. وإن قلنا : حصل من قبل نفسه ، فهو باطل من وجهين :
الأول : إنا إذا قلنا ذلك ، فلم لا نقول : إن ضلال الكافر والفاسق إنما حصل من قبل نفسه ، لا من قبل الشيطان؟ وحينئذ تكون الاستعاذة من الشيطان عبثا.
الثاني : إن المكلف لا يرضى لنفسه [البتة (١)] باختيار الجهل والكفر ، إلا إذا قيل: إنه إنما اختار ذلك ، لأنه ظن أن ذلك الاعتقاد : علم. لأنه على هذا التقدير لا يمكنه اختيار هذا الجهل ، إلا لسبق جهل آخر. ولا يتسلسل بل ينتهي إلى جهل أول. وحينئذ يعود السؤال في كيفية حصوله. فثبت : أن ضلال ذلك الشيطان إنما حصل بإضلال الله تعالى ، وحينئذ تقبح الاستعاذة بالله من الشيطان ، على هذا التقدير. وإلى هذا التحقيق الإشارة بقوله تعالى : (هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا. أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) (٢) يعني : إن كانت غوايتهم منا ، فغوايتنا ممّن. فالذي أغوانا هو الذي أغوى الكل.
الوجه السادس في بيان أن الاستعاذة من الشيطان غير معقولة : إن الحدقة السليمة إذا صارت مقابلة للمرئي ، وكان ذلك المرئي قريبا ، والشرائط حاضرة ، والموانع زائلة. فعند اجتماع هذه الأمور يجب حصول الإدراك. وحصول الإدراك مستلزم للعلم بماهيّة المدرك. والعلم بماهية المدرك يوجب
__________________
(١) من (م ، ل).
(٢) سورة القصص ، آية : ٦٣ وفي تفسير مجمع البيان : (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) يعنون أتباعهم (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) أي أضللناهم عن الدين بدعائنا إياهم إلى الضلال ، كما ضللنا نحن بأنفسنا.