قَوْمِهِ) (١) لأجل أن يكون البيان كافيا تاما. ثم يقول عقيبه : إني أخلق الجهل في البعض ، والعلم في البعض»؟ قلنا : إنه تعالى بين أنه بعث الرسول إليهم بلسانهم ، حتى يكمل البيان ، ويظهر الدليل ، ولكنه يضل البعض ويهدي البعض ، ومع ذلك لا يظهر أنه لا يكفي في حصول الهداية تكميل البيان ، وإيضاح الحجة والبرهان. بل الدلائل وإن ظهرت ، والبراهين وإن بهرت ، إلا أنه ما لم يخلق الله الهداية ، لم يحصل المقصود. وهذا الكلام من هذا الوجه في غاية الانتظام. ونظيره قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٢).
فثبت : أن الدلائل التي ذكروها في بيان أنه لا يمكن حمل لفظ الإضلال على خلق الإضلال ، كلها واهية ساقطة. وإذا كانت حقيقة لفظ الإضلال هو خلق الضلال ، وثبت : أن الأصل في الكلام هو الحقيقة ، وجب حمل اللفظ عليه ، والإعراض عما ذكروه من التأويلات ، وحمل اللفظ على المجازات (٣).
والله أعلم
__________________
(١) سورة إبراهيم ، آية : ٤.
(٢) سورة الأنعام ، آية : ١١١. وفي مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) عند هذه الآيات : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن يجبرهم على الإيمان. عن الحسن ـ وهو المروي عن أهل البيت (ع) والمعنى : أنهم قط لا يؤمنون مختارين ، إلا أن يكرهوا (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) أن الله قادرا على ذلك. وقيل : معناه يجهلون أنهم لو أتوا بكل آية ما آمنوا طوعا. وقيل : معناه يجهلون مواضع المصلحة فيطلبون ما لا فائدة فيه. وفي الآية : دلالة على أن الله سبحانه لو علم أنه إذا فعل ما اقترحوه من الآيات آمنوا لفعل ذلك. ولكان ذلك من الواجب في حكمته ، لأنه لو لم يجب ذلك ، لم يكن لتعليله بأنه لم يظهر هذه الآيات لعلمه بأنه لو فعلها لم يؤمنوا : معنى. وفيها أيضا : دلالة على أن إرادته محدثة. لأن الاستثناء يدل على ذلك. إذ لو كانت قديمة ، لم يجز هذا الاستثناء ولم يصح ، كما كان لا يصح لو قال : ما كانوا ليؤمنوا ، لأنه سبحانه يعلم أنه لم يشأ. فالقول فيه : إنه لو كان كذلك ، لكان وقوع الإيمان منهم موقوفا على المشيئة ، سواء كانت الآيات أم لم تكن ، وفي هذا إبطال للآيات».
(٣) في (س) بعد ذلك : «ولنبين الآن أن كل واحد من التأويلات التي ذكروها في غاية الضعف. أما تأويلهم الأول وهو قولهم» وفي (س) بعد ذلك : فاعلم : أن مصنف الكتاب رضي الله عنه. أراد أن يضيف إليه أشياء أخر كثيرة ، إلا أنه اقتصر على هذا القدر. وأخر إتمامه. وإني نقلت هذا القدر من خطه في نوتته. نور الله مضجعه وقدس روحه ، وإنه توفي يوم الاثنين ، ـ