التصور ، ترتبت تلك المراتب بعضها على بعض ، بالغة ما بلغت ، ترتبا واجبا لازما اضطراريا. وعند هذا يظهر أن الإنسان مضطر في اختياره ، وأن جميع أفعال العباد : إما أفعال الله تعالى ، أو موجبات أفعال الله تعالى. وعلى التقديرين (١) فالمطلوب حاصل.
واعلم : أن كل من رجع نفسه ، واعتبر أحوال أفعاله وأعماله : علم ـ قطعا ويقينا ـ : أن الأمر كما ذكرناه. وذلك لأنه إنما تحرك إلى جهة كذا ، لأنه أراد تلك الحركة وإنما أراد الحركة إلى تلك الجهة لأنه اعتقد أن له في تلك الحركة منفعة. وإنما حصل ذلك الاعتقاد ، لأنه رأى شيئا ، فصارت تلك الرؤية سببا لتذكره : أن له في ذلك الفعل منفعة. وهلم جرا إلى جميع المراتب.
وبالجملة : فأفعال الجوارح مترتبة على أفعال القلوب [وأفعال القلوب (٢)] يستند بعضها إلى بعض. والأخير (٣) يستند إلى أمور خارجية اتفاقية. مثل : إن وقع بصره على شيء ، فتذكر شيئا. أو سمع صوتا فتذكر شيئا مع العلم الضروري بأن تلك الاتفاقات الخارجية : خارجة عن وسعه وطاقته. ثم إنا قد ذكرنا تلك الأشياء الستة التي بسببها تختلف أحوال الإنسان في عقائده وفي أخلاقه. فإذا انضمت تلك الأسباب الخارجية الاتفاقية ، إلى هذه الأسباب الستة التي ذكرناها ، ظهر حينئذ أن القول بالجبر لازم. ومثاله : إذا اتفق أن نفس الإنسان وقعت في أصل خلقتها : نفسا شديدة الاستعداد للغضب. ثم اتفق ان كان مزاج بدنه : شديد الاستعداد للصفراء ثم اتفق أن كانت أعضاؤه : مواتية للقهر والاستعلاء. ثم اتفق أن كان قد نشأ فيما بين أقوام يستحسنون إمضاء الغضب ، ويستحقون ترك تلك الأعمال. ثم اتفق أن صار بقاء دولته ورئاسته : معلقا بإمضاء أعمال الغضب.
__________________
(١) التقدير (م).
(٢) من (ط ، ل).
(٣) وبالآخر (م ، ط ، ل).