قالوا : الدليل دل على أن غير الله لا يقدر على خلق الجسم والحياة. وتقرير ذلك الدليل ، أن نقول : لو قدر أحد من الخلق على ذلك ، لكان ذلك القدر. إما أن يكون قادرا لذاته ، وإما أن يكون قادرا بالقدرة. والقسمان باطلان ، فبطل القول بكون أحد من الخلق قادرا على خلق الجسم ، وعلى خلق الحياة ، وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون قادرا لذاته ، لأن ذلك القادر لا بد وأن يكون جسما ـ والأجسام متماثلة ـ فلو كان الجسم (١) قادرا لذاته ، لكان كل جسم كذلك. ضرورة أن حكم الشيء حكم مثله. ولما بطل هذا ، علمنا : أنه لا يجوز أن يكون قادرا لذاته.
وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون قادرا بالقدرة. لأن القدرة لا تصلح بفعل الجسم. ويدل عليه وجهان :
الأول : إن القدرة التي لنا ، لا تصلح لفعل الأجسام ، فهذا الامتناع حكم مشترك فيه بين القدرة التي لنا. والحكم المشترك لا بد من تعليله بوصف مشترك فيه. وما ذاك إلا كونها قدرا. فثبت : أن كون القدرة قدرة : مانعة من صلاحية إيجاد الجسم. فوجب أن تكون كل قدرة كذلك.
الثاني : إن كل قدرة نفرضها. فهي إما أن تكون مثلا لهذه القدرة الحاصلة لنا ، أو مخالفا لها. فإن كانت مثلا لهذه القدرة ، وجب أن لا تكون صالحة للإيجاد. كما أن هذه القدرة غير صالحة للإيجاد. ضرورة أن حكم الشيء [حكم (٢)] مثله. وإن كانت مخالفة لهذه القدر ، لم تكن مخالفتها لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدر لبعض. فلما كانت هذه القدر مع كون بعضها مخالفا للبعض ، لا يصلح للإيجاد. فكذلك تلك القدرة المفروضة ، وجب أن لا تصلح للإيجاد.
هذا حاصل ما لخصه القوم ، وعولوا عليه ، في أن فاعل المعجزات هو الله تعالى. وهو كلام في غاية الرخاوة والسقوط. فنقول : لم لا يجوز أن يكون
__________________
(١) في الأصل (جسم) والتصحيح ص (م).
(٢) زيادة.