لافتقر إلى معين آخر. ولزم التسلسل ، وهو محال. والقيد العدمي لا دخل له في التأثير. ولما سقط التعين ، لم يبق إلا أصل الماهية. وحينئذ يحصل التقريب.
وأما النقوض العشرة التي أوردناها في هذه المقدمة على المعتزلة فهي لازمة على مذاهبهم. وأما نحن إذ كنا لا نقول بتلك المذاهب ، لم يلزم علينا تلك النقوض. فثبت : أن مثل مقدور العبد مقدور لله تعالى ، وثبت : أن ما صح على الشيء ، صح على مثله ، فوجب القطع بأن مقدور العبد ، يصح أن يكون [مقدورا (١)] لله تعالى وإذا حصلت هذه الصلاحية ، وجب تعلق قدرة الله تعالى به. إذ لو لم تتعلق قدرة الله تعالى به ، مع أنه يصح [تعلق (٢)] قدرته به ، لكان تعلق قدرته ببعض المقدورات دون البعض : ترجيحا لأحد طرفي الجانب على الآخر. وذلك لا يحصل إلا لمخصص قادر. فيلزم : أن لا يصير الله تعالى قادرا على مقدوراته ، إلا لأجل أن شيئا آخر قدر عليه. ولما كان ذلك في حق الله تعالى محالا ، علمنا : أنه قادر على جميع المقدورات ، فوجب القطع بكونه تعالى قادرا على مقدور العبد.
الحجة الثالثة على أنه تعالى قادر على مقدورات العباد : وهي : إنه لا شك أن الله تعالى قادر على بعض الممكنات. فكون ذلك البعض ، بحيث يصح أن يكون مقدورا لله تعالى ، وجب أن يكون معللا بإمكانه. لأنا لو رفعنا الإمكان ، بقي. إما الامتناع ، وإما الوجوب. وهما يحيلان المقدورية. وما كان مانعا من الشيء ، لا يكون علة لحصوله. ولما خرج الوجوب والامتناع عن أن يكونا علة لصحة المقدورية ، بقي الإمكان مانعا لهذه العلية. فثبت : أن الذي لأجله يصح في بعض الممكنات أن يكون مقدورا لله تعالى ، حاصل في جميع الممكنات ، فوجب القطع بأن جميع الممكنات يصح عليها أن تكون مقدورة لله تعالى. ولما ثبت عموم هذه الصحة فلو تعلقت قدرة الله ببعضها دون
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) سقط (ط).