فظهر بذلك الفرق بين القول بوجوب المقدّمة وعدمه ، إذ ليس التكليف بذي المقدّمة على فرض ترك المقدّمة من سوء اختيار المكلّف بناء على الثاني ، لجواز ذلك بالنسبة إليه بخلاف ما إذا قيل بالأوّل.
وقد يقال : بأنّ الاستحالة في المقام انّما نشأ أيضا من قبل المكلّف ، فلا مانع من حسن العقاب على ترك الفعل الممتنع بسبب اختياره ترك مقدّمة يعلم كونها مقدّمة له وإن لم يكن ترك تلك المقدّمة محرّما ، كما أنّه لا مانع من حسن العقاب على ترك الفعل الممتنع بسبب سوء اختيار المكلّف من جهة إقدامه على الحرام كذا يستفاد من كلام بعض الأفاضل.
وفيه : أنّه إن اريد أنّ الاختيار المذكور لمّا كان سببا لترك الواجب كان مصححا للعقوبة على ترك ذلك الواجب من غير أن يبقى التكليف بالفعل بعد امتناعه ولا أن تكون تلك العقوبة على نفس اختياره ذلك فهو عين ما ذكرناه في الوجه الأوّل.
وقد عرفت أنّ مقتضاه كون الاختيار المذكور باعثا على استحقاق العقوبة من حيث إدّائه إلى ترك الواجب ، وهو عين مفاد الوجوب الغيري ، ولذا يقبح عند العقل تجويز الآمر لاختياره ذلك ، من حيث إدّائه إلى ترك الواجب كيف ولو جوّز له ذلك ولو من الحيثيّة المذكورة قبح منه العقاب بعد ذلك؟ وفيه خروج الواجب عن الوجوب.
وإن اريد أنّ ترك المقدّمة إنّما يقتضي استحقاق العقوبة على ترك الواجب بعد ذلك وإن لم يبق هناك أمر بالفعل بعد ترك مقدّمته فلا يكون المكلّف عاصيا بمجرّد ترك المقدّمة ، وإنّما تحقّق عصيانه واستحقاقه للعقوبة عند ترك الواجب في زمانه المضروب له فيكون عاصيا للأمر المتعلّق به قبل ترك مقدّمته بتركه للواجب في زمانه وان سقط الأمر بعد ترك المقدّمة ، إذ لا يمنع ذلك من تحقّق العصيان بالنسبة إلى الأمر السابق.
ففيه : أنّه إذا سقط عنه الأمر عند ترك المقدّمة من غير تحقّق عصيان ولا