من الله سبحانه مع خلقه في قوله سبحانه (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ)(١) الآية. ومن البيّن أنّ بيعها بأعلى القيم وأعلى الثمن ليس من الحرج في شيء ، كما قال تعالى : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ)(٢) فتأمّل.
وينبغي التنبيه على امور :
منها : أنّ المنفي بأدلّة نفي الحرج هل هو نوع التكاليف الشاقّة بالإضافة إلى أواسط الناس وإن لم يكن فيها مشقّة بالنسبة إلى أقويائهم دون غيرها وإن كان فيها مشقّة على ضعفائهم ، أو التكاليف الشاقّة بالنسبة إلى أشخاص المكلّفين فلا يسقط التكليف عن القويّ الّذي لا مشقّة عليه ويسقط عن الضعيف الّذي يتعسّر عليه وجهان : والّذي يظهر من عموم الأدلّة ما أشرنا إليه في صدر المسألة من نفي الأمرين جميعا ، فالحكم الّذي يتضمّن الحرج في الأغلب منفيّ عن الشرع ، لبناء أحكام الشرع على ملاحظة حال الغالب من المكلّفين فلا يكلّف الأقوى بما لا يكلّف به أغلب الناس من حيث قوّته على تحمّل ما يضعف عنه غيره. ومع ذلك فلو اتّفق تعسّر الامتثال على المكلّف المخصوص من حيث ضعفه عن تحمّل ما يقوى عليه الأكثر سقط التكليف عنه أيضا ، لأنّ نفي الحرج يقتضي نفي جميع أفراده ومصاديقه.
فإن قلت : إن كان الملحوظ في تلك الأدلّة حال النوع تعيّن الأوّل أو حال الشخص تعيّن الثاني ، فلا وجه للجمع بينهما.
قلت : لمّا كانت التكاليف والأحكام الشرعيّة مجعولة بالنسبة إلى نوع المكلّفين كان الحرج الحاصل في حقّ الأكثر وأفعالها من أصلها ، إذ لم يجعل حكم مخصوص بالنسبة إلى أقوى الناس ، لكن العذر الشرعي قد يختصّ بواحد معيّن فيقضي بسقوط التكليف عنه. ومنه الحرج والمشقّة فيكون منفيّا على كلا الوجهين ، كما هو قضيّة تعلّق النفي بالطبيعة. فزيادة القوّة عن المتعارف لا يقضي بزيادة
__________________
(١) سورة التوبة : ١١١.
(٢) سورة التوبة : ١١١.