العقل بالجواز مستفاد من عدم حكم الشارع بالوجوب ، من غير أن يصرّح بالجواز ، وإنّما لم يجر حكم الشارع بالجواز مع أنّه لازم ـ لعدم حكمه بالوجوب ـ لأنّه لمّا كان الإتيان بذي المقدّمة مطلوبا للشارع على جهة الالزام وكان الإتيان به لا ينفكّ عن الإتيان بمقدّمته كان الحكم بجواز تركه عبثا بل منافيا لغرضه ، إذ فائدة الحكم به هو اقدام المكلّف على الترك إذا شاء وهو غير ممكن في المقام ، إذ لا يجامع ذلك الإتيان بذي المقدّمة الواجب في الشريعة ، فيشبه الحكم به الحكم بجواز الإتيان بالممتنعات ، كالطيران في السماء والمشي على الماء ، فليس عدم جواز الشارع بالجواز في المقام من جهة انتفاء الجواز حتّى يتوهّم بسببه وجوب المقدّمة ، بل من جهة كونه لغوا لا ينبغي صدوره عن الحكيم.
فحاصل الجواب : أنّ جواز حكم الشرع بجواز الترك إنّما يتمّ إذا تفرّع فائدة على حكمه وامّا إذا خلا عنها فلا ، بخلاف حكم العقل به فإنّ من شأنه إدراك الواقع وإن خلا ذلك عن ثمرة تترتّب عليه في الأعمال ، وهذا هو الوجه فيما ذكره من جواز تحقّق الحكم العقلي هنا دون الشرعي ، كما أشار إليه بقوله (لأنّ الخطاب به عبث ... الخ).
وقد ظهر بذلك دفع ما قد يورد عليه : من أنّ المقرّر في محلّه مطابقة حكم العقل للشرع بمعنى أنّ ما حكم به العقل قد حكم به الشرع ، فكيف يبنى على الانفكاك بينهما في المقام؟ إذ ليس المدّعى انفكاك حكم الشرع عن حكم العقل بأن لا يطابق حكم الشرع ما حكم به العقل ، كيف وقد كان الحكم المذكور من لوازم عدم إيجاب الشارع للمقدّمة؟ فهي أيضا في حكم الشرع ممّا يجوز تركه ، لكن المقصود عدم جواز تصريح الشارع بجواز تركه للزوم اللغو حسب ما ذكر.
لكنّك خبير بأنّ القول بعدم جواز تصريح الشارع بالحكم الثابت مع أنّ من شأنه بيان الأحكام غير متّجه ، وما ذكر من لزوم اللغو في الحكم به فاسد ، إذ لا يعقل لغو في بيان الأحكام الشرعيّة ، وكيف يتصوّر ذلك في المقام؟ وفي حكمه المذكور تصريح بعدم وجوب المقدّمة واتّحاد الواجب حتّى لا يتوهّم هناك