بعدمه يمنع عن حصول النهي عن الضدّ من أصله ، غاية الأمر أن يقول : بكون الضدّ ممّا لابدّ من تركه أو كون تركه مطلوبا لمطلوبيّة المأمور به ، لعدم انفكاكه عنه بأن يكون هناك طلب واحد يتعلّق بالمأمور به بالذات وبترك الضدّ بالعرض ، على ما مرّت الإشارة إلى نظيره في مقدّمة الواجب.
ثانيها : أنّه لا خلاف لأحد في كون صيغة الأمر مغايرة لصيغة النهي وأنّه لا اتّحاد بين الصيغتين في الوجود حتّى يكون صيغة «إفعل» عين صيغة «لا تفعل» وكذا في عدم حصول الملازمة بين الصيغتين ، لوضوح خلافه بالحسن فلا يقع في مثله التشاجر بين العلماء وإنّما الخلاف في المقام في كون صيغة الأمر بالشيء قاضيا بمفاد النهي عن الضدّ حتّى يكون الحاصل بصيغة الأمر أمرين ـ أعني الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه ـ سواء كانا حاصلين بحصول واحد أو حصولين يتبع الثاني منهما للأوّل في الوجود أو أنّه ليس الحاصل هناك إلّا الأمر بالشيء لا غير.
ثمّ إنّه لا تأمّل في وقوع الخلاف بينهم في اقتضاء الأمر للنهي بالنسبة إلى الأضداد الخاصّة ، كما هو ظاهر كلماتهم ، وفي وقوع الخلاف بالنسبة إلى الضدّ العامّ بمعنى الترك تأمّل ، نظرا إلى وضوح اقتضاء الأمر له بحيث لا مجال للريب فيه فيبعد وقوع النزاع في مثله إلّا أن يكون الخلاف فيه في كيفيّة الاقتضاء حسب ما يشير إليه المصنّف ، ولذا حكى الإجماع على ثبوت أصل الاقتضاء ، لكن يظهر من كلمات جماعة من الاصوليين وقوع الخلاف فيه أيضا منهم : السيّد العميدي في المنية حيث عنون البحث في الضدّ العامّ بمعنى الترك وجعله مضادّا للمأمور به بالذات وما يشتمل على الترك من أحد الأضداد الوجوديّة مضادّا له بالعرض فقال : بكون الأمر بالشيء قاضيا بالنهي عن ضدّه العامّ بالمعنى المذكور بالذات وعن سائر الأضداد الوجوديّة بالعرض ، وقد حكى الخلاف فيه عن جمهور المعتزلة وكثير من الأشاعرة وعزى اختياره إلى محقّقي الفريقين من المتأخّرين وهذا كما ترى صريح في وقوع الخلاف في الأمرين.
وربما يلوح ذلك من العلّامة في النهاية وقد استقرب القول بافادة الأمر بالشيء النهي عن ضده العام بمعنى الترك إذا لم يكن الآمر غافلا عنه.