ولا يجوز حصول التدافع والتنافي في كلام الحكيم ، كما هو الحال فيما ينظر له من الخبرين المتناقضين فليس غرضه من ذلك كون أحد الخطابين متناقضا للآخر في حكم العقل حتّى يكون الجمع بينهما من قبيل الجمع بين المتناقضين ، كيف وتنظيره ذلك بمناقضة أحد الخبرين المفروضين للآخر ينادي بخلاف ذلك ، لوضوح إمكان صدور الخبرين عن الكاذب ، وحينئذ فالإيراد عليه ـ بأنّه لا تناقض بين الخطابين المذكورين ولا بين الخبرين المفروضين وإنّما التناقض في الخبرين بين ما اخبر بهما ولذا لا يجتمعان في الصدق دون نفس الخبرين ـ ليس على ما ينبغي.
نعم يمكن الإيراد عليه : بأنّ قضيّة ما ذكره من جواز اجتماع كلّ من الخلافين مع ضدّ الآخر هو أن لا يكون في أحدهما ما يمنع من الاجتماع مع ضدّ الآخر ، بل يجوز الاجتماع بينهما بملاحظة أنفسهما ولا ينافي ذلك حصول مانع خارجي من جواز الاجتماع كما في المقام ، حيث إنّ المانع منه حكمة الأمر ووقوع أحكامه على مقتضى حكم العقل ؛ ومع الغضّ عنه فاللازم على فرض تسليم ما ذكره جواز اجتماع الأمر بالشيء مع الأمر بضدّه في الجملة لا بالنسبة إلى كلّ مكلّف ، ولا ريب في جواز ذلك بالنسبة إلى أوامر السفهاء من غير أن يقضي بامتناعه منه شيء من الأمرين المذكورين ، وهو كاف فيما هو بصدده من جواز الاجتماع بينهما.
قوله : (وإمّا لأنّه تكليف بغير الممكن).
قد يقال : إنّ ما ذكره أوّلا من لزوم التناقض إنّما هو من جهة إيجاب الإتيان بالضدّين في زمان واحد ولا مفسدة فيه إلّا من جهة التكليف بالمحال ـ حسب ما مرّت الإشارة إليه ـ فلا وجه لعدّ ذلك وجها آخر.
وقد يجاب عنه : بأنّ امتناع التكليف بالمحال يقرّر من وجهين :
أحدهما : من جهة استحالة توجّه الإرادة نحو المحال مع العلم باستحالته.
وثانيهما : من جهة لزوم السفه بل الظلم أيضا لو ترتّب عليه العقوبة من جهة المخالفة ، فأشار بالوجه الأوّل إلى الأوّل وأراد بالثاني الاستناد إلى الجهة الثانية.