الاستدلال ظاهرا في إثبات أصل الدلالة في مقابلة من ينكرها كما هو ظاهر من ملاحظة قوله : (إذ لا ذمّ بما لم ينه عنه لأنّه معناه) فإنّ ذلك إنّما يقال : عند دفع توهّم عدم دلالته على النهي ، فلذا أجاب عنه المصنّف رحمهالله بانّه لا نزاع لنا في النهي عنه حسبما يفيده الدليل المذكور حيث لا يفيد سوى أصل الدلالة ، ووقوع النزاع في كون تلك الدلالة على سبيل العينيّة أو التضمّن أو الالتزام ممّا لا ربط له بهذا المقام ، وحينئذ فلا ينافي ذلك ما سبق من المصنّف رحمهالله من صحّة وقوع النزاع في الضدّ العامّ بالنسبة إلى كيفيّة الدلالة ولا حاجة حينئذ إلى أن يقال في الجواب : إنّ ذلك لا يفيد الاستلزام كما يدّعيه المستدلّ وإنّما يفيد التضمّن حسب ما ذكرناه ، والأولى توجيه العبارة بحملها على ذلك بأن يكون المراد منها : أنّه لا نزاع لنا في النهي عنه في الجملة ، وبمجرّد ذلك لا يتمّ ما ادّعيت من الاستلزام بل هو على سبيل التضمّن لبعد ذلك عن العبارة جدّا كيف ولو أراد ذلك لأشار إلى منع إفادته كون الدلالة على سبيل الاستلزام دون التضمّن ، ولا يدفعه بأنّ ما يفيده ممّا لا نزاع لنا فيه.
ويمكن تقرير الاستدلال بوجه يفيد كون الدلالة على سبيل التضمّن كما هو مقتضى الدليل الأوّل ، فإنّ الوجوب الّذي هو مدلول الأمر هو مطلوبيّة الفعل على وجه يذمّ تاركه وكونه بحيث يذمّ تاركه هو مفاد تعلّق النهي بتركه ، فإنّ المنهيّ عنه هو الّذي يذمّ فاعله أو يقال : إنّ تعريف الواجب بما يذمّ تاركه تعريف بالرسم ، وحدّه في الحقيقة هو طلب الفعل مع المنع من الترك وهو الباعث على استحقاق الذمّ على تركه والمنع من الترك هو عين مفاد النهي عنه إلى آخر ما ذكر وحينئذ فيمكن أن يراد من قوله : (ولا نزاع لنا في النهي عنه) تلقّيه له بالقبول لا دفعه بخروجه عن محلّ النزاع حسب ما مرّ في كلام المجيب المتقدّم ، وقد يحمل كلامه على إرادة إثبات الالتزام لكنه لا يوافق دليله السابق ، لظهوره بل صراحته في إثبات التضمّن ؛ ومع ذلك فأقصى ما يفيده ذلك هو الاستلزام العقلي دون الالتزام اللفظي، كما لا يخفى.