وعدما ، وأمّا المشيئة فهي مقدور عليها بنفسها صادرة عن اختيار المشيء بخلاف الدواعي الباعثة عليها ، فإذا كانت الدواعي خارجة عن اختيار المكلّف لم تكن متعلّقة للتكليف وان تعلّق التكليف بالفعل المقدور عليه فحينئذ نقول : إن كان الصارف عن الفعل حاصلا حصل الترك من غير أن يتوقّف حصوله على الإتيان بضدّ من الأضداد ، وإنّما يكون الإتيان به من لوازم وجود المكلّف إن قيل بامتناع خلوّه عن الفعل ، وإن لم يكن حاصلا وتوقّف الترك على الإتيان بالضدّ وجب ذلك من باب المقدّمة ، حسب ما قرّره.
وقد يورد عليه : بأنّ خروج الداعي عن اختيار المكلّف لا ينافي تخييره بين ذلك وما يكون حصوله باختياره ، نظرا إلى قيام الوجوب في المخيّر بأحدهما ومن الظاهر : أنّه إذا كان واحد منهما مقدورا عليه كان القدر الجامع بينهما مقدورا عليه أيضا ، فيصحّ التكليف به ، فإن حصل غير المقدور عليه اكتفى به في سقوط الواجب بالنسبة إلى زمان حصوله ، على ما هو الشأن في المخيّر وإلّا وجب عليه الإتيان بالآخر ، ولا ينافي ذلك وجوب القدر الجامع عليه عند دوران الأمر بينهما بالنسبة إلى الزمان المتأخّر ـ حسب ما قرّر في الجواب المتقدّم ـ فبذلك يتمّ الاحتجاج أيضا.
ويرد عليه : أنّ تعلّق التكليف بغير المقدور ولو على سبيل التخيير سفه لا يقع من الحكيم ، ألا ترى أنّه لا يصحّ التكليف بالجمع بين النقيضين أو صلاة ركعتين وإن كان القدر الجامع بينهما مقدورا عليه فلا وجه للالتزام به في المقام.
وفيه : أنّه يصحّ التكليف بالطبائع المطلقة مع أنّه يندرج فيها الأفراد الكثيرة ممّا لا يتعلّق بها القدرة ، ولا يمنع ذلك من تعلّق الأمر بالمطلق إلّا أنّه يجب من أفراده على سبيل التخيير ما يتعلّق القدرة بها من جهة الأمر بالمطلق ، فكذا الحال في المقام فليس المقصود وجوب غير المقدور على سبيل التخيير بل المدّعى وجوب أحد الأمرين من المقدور وغيره ، فيتعلّق الوجوب بالمقدور منه.
ويدفعه : أنّ ذلك إنّما يصحّ في الطبائع المطلقة ممّا يتحصّل في ضمن الأفراد