بل لابدّ من الجري على الظاهر ، مضافا إلى غير ذلك من المفاسد الواردة على غيره من الأقوال.
نعم ، الوجه الأوّل للقول الثاني متجه ، إلّا أنّك قد عرفت أنّه راجع إلى القول المختار، وأنّه ليس الاختلاف بينهما إلّا في العبارة ، كما نصّ عليه جماعة منهم المصنّف. هذا.
ولنفصّل المقال فيما استدلّ به على هذه الأقوال :
أمّا القول المختار فيمكن الاحتجاج عليه بوجوه :
أحدها : أنّه لا شكّ أنّه قد تشترك أفعال عديدة في الاشتمال على مصلحة لازمة للمكلّف لا يجوز إهمالها في العقل ، من غير تفاوت بينها في ترتّب تلك المصلحة ، فيجب عليه الإتيان بخصوص فعل من تلك الأفعال لإحراز تلك المصلحة إن دلّه العقل على ذلك ، وإلّا لزم دلالة الشرع عليه كذلك ، نظرا إلى وجوب اللطف عليه ، وقضيّة ذلك وجوب كلّ من تلك الأفعال بخصوصه على وجه التخيير بينها حسب ما قرّرنا.
وإن شئت قلت : إنّه يجب عليه واحد من الأفعال المفروضة على النحو الّذي قرّرناه في الوجه الأوّل. وقد عرفت أنّه عين ما اخترناه ، حسب ما اتّضح وجهه ونصّ عليه الجماعة.
فلا وجه إذن للقول بوجوب الجميع وإن سقط بفعل البعض ، لما عرفت من انتفاء المقتضي له ، ولا للقول بوجوب واحد منها دون الباقي ، أو لما عرفت من قيام المقتضي في كلّ منها على نحو واحد ، فلا يعقل ترجيح البعض للوجوب دون الباقي. وقد أشار إلى هذا الوجه في الذريعة وغيره.
ثانيها : ما أشرنا إليه من ورود الأمر في الشريعة بعدّة واجبات على وجه التخيير بينها ، وقضيّة الأدلّة الدالّة على وجوب تلك الأفعال وجوب كلّ منها بذاته على وجه التخيير بينها ، فهناك أفعال متعدّدة متّصفة بالوجوب متعلّقة للطلب بخصوصها على حسب ما قرّرناه ، وقد عرفت أنّه لا مانع عقلا من إيجاب الفعل