على الوجه الّذي قرّرناه إنّما يكون استحقاق العقاب على ترك واحد منها ، إذ استحقاق العقوبة إنّما يتبع حصول المنع من الترك ، وقد عرفت أنّ المنع من ترك كلّ منها إنّما هو في الجملة بمعنى المنع من تركه وترك ما يقوم مقامه ، فكيف يصحّ الاحتجاج باتّحاد العقاب على عدم وجوب الجميع كذلك مع أنّ القائل به يقول بهذا قطعا؟!
ومنها : أنّه لو كان في كلّ منها جهة موجبة لفعله ليصحّ اتّصافه بالوجوب من جهتها لزم وجوب الجمع بينها مع الإمكان إحرازا للمصلحة الموجبة ، فيخرج بذلك عن حدّ الوجوب التخييري ، وإن كان تلك الجهة في أحدها كان الواجب واحدا منها ، كما هو المدّعى.
ويدفعه : أنّ الجهة الموجبة قد تكون حاصلة بكلّ منها بانفراده بأن لا يحصل تلك المصلحة الموجبة من فعل آخر ، وقد تكون حاصلة بأيّ منها بأن يكون كلّ منها كافيا في تحصيل تلك الثمرة. فعلى الأوّل يجب الجمع بينها بحسب الإمكان ، ويكون الوجوب المتعلّق بها تعيينيّا بخلاف الثاني ، لاستقلال كلّ منها بتحصيل الفائدة المطلوبة ، ولا حاجة إلى الباقي بعد إيجاد واحد منها ، والحال فيه ظاهر من ملاحظة ما عندنا من المصالح المترتّبة على الأفعال ، فإنّه قد يرى الوالد مصلحة لازمة لا يجوز تقويته على ولده ، لكن يقوم بتحصيل تلك المصلحة أفعال عديدة ؛ من غير فرق بينها في الأداء إلى تلك المصلحة ، فلا محالة يوجب عليه حينئذ تلك الأفعال على وجه التخيير ، من غير فرق بينها في ذلك ، وهو الّذي اخترناه.
ويمكن الاحتجاج للثالث : بأنّه لا بدّ للوجوب من محلّ يقوم به : فإمّا أن يقوم بواحد معيّن من تلك الأفعال ، أو بواحد مبهم منها ، أو بالمجموع ، أو بكلّ واحد واحد منها لا سبيل إلى الأوّل ، إذ لا ترجيح مع الاشتراك في المصلحة الموجبة ، ولا إلى الثاني ، إذ لا بدّ من قيام الوجوب بمحلّ متعيّن ، ضرورة عدم إمكان قيام الصفة المتعيّنة بالموصوف المبهم. ولا إلى الثالث ، وإلّا لكان المجموع واجبا واحدا ، فتعيّن الرابع ، وهو المدّعى.