الترك مقتض لثبوت الإذن فيه ، وهو فصل آخر للجنس الذي هو الجواز.
والحاصل : أنّ للجواز قيدين : أحدهما ـ المنع من الترك ، والآخر ـ الإذن فيه ؛ فإذا زال الأوّل خلفه الثاني. ومن هنا ظهر أنّه ليس المدّعى ثبوت الجواز بمجرّد الأمر ، بل به وبالناسخ ، فجنسه بالأوّل وفصله بالثاني. ولا ينافي هذا إطلاق القول بأنّه إذا نسخ الوجوب بقي الجواز ، حيث إنّ ظاهره استقلال الأمر به ، فإنّ ذلك توسّع في العبارة. وأكثرهم مصرّحون بما قلناه.
فإن قيل : لمّا كان رفع المركّب يحصل تارة برفع جميع أجزائه ، وأخرى برفع بعضها ، لم يعلم بقاء الجواز بعد رفع الوجوب ؛ لتساوي احتمالي رفع البعض الّذي يتحقّق معه البقاء ، ورفع الجميع الّذي معه يزول.
قلنا : الظاهر يقتضي البقاء ، لتحقّق مقتضيه أوّلا ، والأصل استمراره. فلا يدفع بالاحتمال. وتوضيح ذلك : أنّ النسخ إنّما توجّه إلى الوجوب ، والمقتضي للجواز هو الأمر ، فيستصحب إلى أن يثبت ما ينافيه. وحيث إنّ رفع الوجوب يتحقّق برفع أحد جزئيه ، لم يبق لنا سبيل إلى القطع بسقوط المنافي فيستمرّ الجواز ظاهرا. وهذا معنى ظهور بقائه.
والجواب : المنع من وجود المقتضي ؛ فإنّ الجواز الّذي هو جزء من ماهيّة الوجوب وقدر مشترك بينها وبين الأحكام الثلاثة الاخر ، لا تحقّق له بدون انضمام أحد قيودها إليه قطعا ، وإن لم يثبت علّيّة الفصل للجنس ، لأنّ انحصار الأحكام في الخمسة يعدّ في الضروريّات. وحينئذ فالشكّ في وجود القيد يوجب الشكّ في وجود المقتضي. وقد علمت أنّ نسخ الوجوب ، كما يحتمل التعلّق بالقيد فقط ـ أعني