الاستصحاب ، لبنائه على فهم العرف دون التدقيق العقلي ، كما يحكم على القدر المعيّن من الماء المسبوق بالكرّية أو القلّة بعد نقصانه بما يوجب الشكّ في بقائه على الكرّية أو زيادته بما يوجب الشكّ في بلوغه حدّ الكرّ بمقتضى الاستصحاب مع وضوح اختلاف الموضوعين بحسب الدقّة ، إذ المتّصف بالكرّية أو القلّة في السابق هو القدر المعيّن من الماء الموجود ، والمحكوم عليه بأحدهما في اللاحق مقدار آخر أنقص أو أزيد منه ، وأحدهما غير الآخر عند التدقيق إلّا أنّهما بحسب فهم العرف شيء واحد. فكما لا يمنع ذلك من جريان الاستصحاب فيه فكذا في المقام فيستصحب الوجوب السابق في الزمان اللاحق وإن اختلف الوجوبان بنظر الدقّة ، إذ المدار في الجميع على فهم العرف.
وأنت خبير بضعف الوجوه المذكورة ، أمّا الأوّل : فلأنّ استصحاب القدر المشترك بعد زوال الخصوصيّة كاستصحاب الجنس بعد زوال الفصل ، وقد تقدّم فساد القول به بما لا مزيد عليه ويأتي أيضا في مبحث الاستصحاب إن شاء الله ، إذ من المعلوم أنّ الحاصل في السابق إنّما هو الوجوب التبعي الغيري الّذي قد زال بسقوط التكليف المتعلّق بالمجموع من حيث المجموع. وانتزاع مفهوم التحتّم المطلق منه ثمّ استصحابه واضح الفساد.
وأمّا الثاني : فلأنّ الوجوب الغيري الثابت للأجزاء المفروضة إنّما كان للتوصل بها إلى أداء المأمور به ـ وهو الكلّ الّذي تعلّق الطلب به ـ فبعد العلم بسقوط التكليف به لا معنى لاستصحاب وجوب مقدّماته ليثبت به تعلّق طلب آخر ينافي الأجزاء ، لوضوح زوال الفرع بزوال أصله وسقوط التابع بانتفاء متبوعه ، فلا معنى للتمسّك بالاستصحاب في إبقائه.
وأمّا الثالث : فلأنّ العرف وإن كان هو المرجع في مداليل الألفاظ والخاطابات إلّا أنّه لا يجدي في المقام شيئا ، إذ الحاصل هنا طلب واحد بسيط متعلّق بإيجاد الهيئة المطلوبة وقد تحقّق سقوطه ، وأين ذلك ممّا ذكر من المثال لثبوت وصف الاعتصام أو الانفعال لكلّ جزء من أجزاء الماء الموجود في السابق فيستصحب