الثالث : الأخبار الثلاثة الّتي تداول نقلها في كتب الفريقين ، وحكي توافقهم على قبولها والاحتجاج بها ، واشتهارها بينهم في موارد كثيرة ، والاستشهاد بها في المحاورات والامور العادية ، ونقل روايتها عن غوالي اللئالي وغيره. قيل والفقهاء يذكرونها في كتبهم الاستدلاليّة على وجه القبول وعدم الطعن في السند. وهي : حديث الميسور لا يسقط بالمعسور (١). وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه (٢). وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (٣). اسند الأوّلان إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، والثالث إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ ظاهرها أنّ تعذّر بعض أجزاء المأمور به أو تعسّره لا يقضي بسقوط الباقي بل يجب الإتيان به بقدر الاستطاعة ، بل وكذا الحال في صورة تعذّر بعض شرائطه الشرعيّة وإن كان الخبر الثاني ظاهرا في الأوّل خاصّة. بل ظاهر الأوّل يعمّ الأسباب والشرائط الشرعيّة أيضا وإن لم يتعلّق الطلب بها في الشريعة ، إلّا أنّه لا يثبت بذلك ترتّب الأثر على القدر الممكن منها إنّما يدلّ على اعتبار تمام الشرائط المقدورة فيه بعد ثبوته في الجملة.
وأمّا الأخيران فظاهرهما الوجوب وإن أمكن إلحاق المستحبّات به أيضا لعدم الفصل وثبوت التسامح في دليلها بما لا يتسامح به في غيرها.
وفيه : أنّ تلك الأخبار مرسلة لا يوجد منها في كتب الأخبار المعتبرة عين ولا أثر ، ومجرّد اشتهارها في كتب الفريقين لا يكفي في الحكم بانجبارها ، لإمكان رجوع الكلّ إلى نقل الواحد ، بل ربما كان الأصل فيه من بعض العامّة ولم يظهر اعتماد الأصحاب عليها بمجرّدها في موارد العمل بمضمونها ، لإمكان استنادهم في تلك الموارد إلى ما مرّ من الاستصحاب أو غيره ، فيكون غرضهم من ذكرها التأييد دون الاستدلال بها على الاستقلال ، إلّا حيث يتحقّق انجبارها بالاشتهار. ولو وجد ذلك في كلام بعضهم فليس بشيء يكتفي به في الحكم بانجبارها مطلقا ،
__________________
(١) عوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٥.
(٢) عوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٧.
(٣) عوالي اللئالي : ج ٤ ص ٥٨ ح ٢٠٦.