خلاف الظاهر ، ولا أقلّ من الاحتمال القادح في الاستدلال ، فيحتمل إرادة الإتيان بالمأمور به ما دامت الاستطاعة باقية للفعل ، أو الإتيان من أفراد المأمور به بقدر الاستطاعة دون الإتيان بجزئه ، فإنّه حينئذ ليس منه ، إذ الفعل المقيّد في أجزائه بوصف الاجتماع لا يستطاع بدون أقلّ جزء منها ، لانتفاء الكلّ بانتفاء الجزء.
ويؤيّده ما نقل من وروده في الأمر بالحجّ عند السؤال عن تكراره في كلّ سنة.
وقد يجاب عن الأوّل : بالرجوع إلى العرف فإنّ التدقيق المذكور بعيد عن فهم العرف ، والمفهوم منه يعم محل المسألة فيكون المراد هو القدر المشترك بين الوجوب الأصلي والتبعي الغيري وهو تحتّم إيقاع الفعل ، فمفاده أنّه كما لابدّ من الإتيان به حال إمكان الكلّ كذا لابدّ منه حال تعذّر غيره أيضا ، فيقوم البعض مقام الكلّ عند تعذّره ، على أنّه ليس في الخبر ذكر الواجب حتّى يرد ما ذكر ، فيشمل نفس الجزء المفروض لا من حيث الجزئيّة أعني الفعل المخصوص وإن ثبت أوّلا في ضمن الكلّ ، فيدلّ على أنّ الجزء الميسور لا يسقط بسقوط غيره فيصير مستقلّا بعد أن كان منضمّا إلى غيره فتأمّل.
وعن الثاني : بظهوره في العموم غاية الأمر خروج بعض الموراد عنه ، بل ظاهره فرض عدم تيسّر إدراك الكلّ ونفي سقوط الكلّ معه ، فيبقى الباقي على حسب ما كان عليه من وجوب أو استحباب شرعيّين أو عرفيّين فلا يختصّ بالوجوب ، ولو حمل النفي على النهي المفيد للتحريم اختصّ بالواجب لأولويّة التخصيص من المجاز.
وأما حمله على مجرّد الإخبار بالواقع فينبغي القطع بفساده. ولو صحّ ذلك لكان إخبارا بطريقة العقلاء في الالتزام بذلك وتقريرا عليه لا على مجرّد جوازه ، ففيه دلالة على صحّته من وجهين.
واحتمال الاستحباب مع عدم القول به مدفوع ، بأنّ الجملة الخبريّة المستعملة في الإنشاء تدلّ على الوجوب. بل لعلّها أقوى في الدلالة عليه من الأمر ، لدلالتها على أنّه قد بلغ في التحتّم حدّا لا يقع خلافه.