فإن قلت : إنّ رجحان الأفراد المتكثّرة من الماهيّة المطلوبة والخطابات التعيّنية المتعلّقة بالأفعال المتعدّدة يقتضي تعلّق الطلب بالجمع المتعسّر كما في الطلب الإيجابي ، وإلّا رجع الأمر إلى مطلوبيّة بعض الأفراد والتخيير بين تلك الأفعال.
قلت : هناك فرق بيّن بين الطلب الإيجابي وغيره ، فإنّ الأوّل على الوجه المذكور موجب لوقوع العبد في الحرج لمنعه من الإخلال بالبعض بخلاف الثاني ، لما عرفت من أنّ الإذن في الترك رافع للحرج عنه. وإنّما قلنا بعدم تعلّق الطلب بالمجموع من حيث المجموع أخذا بظاهر نفي الجعل والإرادة للعسر ، ولا يقضي ذلك بنفي جعل الطبيعة المشتركة بين الكلّ والبعض أو خصوص شيء من الخطابات المفروضة بعد عدم وقوع العبد من أجلها في المشقّة. فالفارق بين المقامين هو العرف مع اشتراكهما في عدم الحرج على العبد فتأمّل.
ومنها : أنّ الأدلّة المذكورة كما يقتضي نفي الحرج في التكاليف الأصليّة كذا يقتضي نفيه في الأحكام التبعيّة كالمقدّمات العلميّة ، فإنّ إلزام المكلّف بالفعل عند دورانه بين امور عديدة يتعسّر الجمع بينها ـ كما في الشبهة الغير المحصورة إيجابيّة كانت أو تحريميّة ـ يستلزم إيقاع العبد في الحرج والمشقّة ، بخلاف حكم الاستحباب والكراهه. والفرق بين المقامين هو ما عرفت من الفرق بينهما في المسألة السابقة. ومن أجل ذلك قلنا بعدم وجوب الاحتياط عند انسداد سبيل العلم بالواقع في الغالب وثبوت استحبابه.
وتوهّم انصراف تلك الأدلّة إلى نفس الأحكام المجعولة وهم فاحش ، فإنّ الموجب للحرج هو نفس الإلزام بتلك الأحكام في تلك الحال نظرا إلى استلزامه للجمع المتعسّر كما هو الحال في مقدّمات الوجود فلو توقّف أداء الفعل على مقدّمة متعسّرة قضى نفي الحرج بعدم وجوبه لا بسقوط وجوبها الغيري ، إذ لا يجدي ذلك في رفع الحرج بعد ثبوت التوقّف والأبديّة. وكذا لو كان الحرج في لوازم المأمور به كفى في سقوطه أيضا ، مع عدم اتّصاف اللوازم بالوجوب قطعا.