الوجوه المتعسّرة مع أنّه إنّما يقع على المكلّف باختياره في الغالب. بخلاف ما إذا كان عالما بذلك في حال التحمّل ، فقد يقال في المثال المذكور بأنّ المعسر إذا استدان شيئا باختياره مع علمه بتعسّر أدائه أو انحصار الوجه فيه في بذل المستثنيات فالأصل وجوب أدائه وإن تعسّر عليه ، لأنّه الّذي أوقع نفسه في الحرج إلّا أن يثبت خلافه من إطلاق الاستثناء. وكذا الحال في العقود الواقعة في حال العلم بتعسّر الوفاء بمقتضاها ، كالإجارة على الأعمال الشاقّة وغير ذلك. وكذا غيرها من الأسباب الاختياريّة.
ويمكن أن يقال : إنّ عموم ما دلّ على نفي الحرج قاض بعدم وجوب العمل بما فيه الحرج وإن كان مستندا إلى الأسباب الاختياريّة. بل وإن علم المكلّف باستلزامها للحرج ، فإنّ إيجاب العمل بمقتضاها بعد وقوعها جعل للحرج وإرادة للعسر وقد ثبت انتفاؤهما.
وهل يبطل العقد المفروض حينئذ من أصله نظرا إلى اقتضائه للّزوم الموجب للحرج أو ينقلب جائزا ـ لكون الحرج في لزومه لا في جوازه ـ أو يقع على وجهه لكن لا يلزم العمل به ما دام الحرج باقيا ويدور مداره مع بقاء محلّه فلو زال الحرج رجع إلى اللزوم كما أنّه لو لم يتضمّن الحرج حال وقوعه ثمّ عرضه الحرج رجع إلى الجواز فإذا زال عاد حكم اللزوم؟ وجوه:
أشبهها الأخير ، والوجه فيه أنّ ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود مقيّد بغير موارد الحرج كسائر التكاليف ، فيختلف الحال في ذلك باختلافه وجودا وعدما ما دام المحلّ باقيا فإذا فات المحلّ انحلّ العقد. هذا إذا كان الحرج في الوفاء بنفس العقد أو الإيقاع كما في المثال المذكور ـ أعني الاجارة ـ أمّا لو اتّفق حصول الحرج في آثاره وما يترتّب عليه فنفي الحرج لا يقضي بفساد الأمر الواقع. فلو استتبع الطلاق أو العتق مشقّة عظيمة في الفرقة الحاصلة وآثارها لم يمنع ذلك من انعقادهما ، لعدم تضمّنهما للحرج من حيث نفسهما فلا يندرج في الأدلّة.
ومنها : أنّ الحرج قد يتحقّق في الفعل أو الترك بنفسه ، وقد يتحقّق في تكراره