والحاصل : أنّ المشاركة في التكاليف الواقعيّة الأوّلية لا يفيد تكليفنا بها فعلا حتّى نتدرّج بعد انسداد باب العلم بها إلى الظنّ ، والمشاركة في التكاليف الظاهريّة الفعلية ممنوعة ، بل باطلة ، فكونهم مكلّفين ظاهرا بالتكاليف الواقعيّة لتمكّنهم من تحصيل العلم لا يقضي بكوننا مكلّفين بتلك الأحكام حتّى يتنزّل بعد انسداد باب العلم بها إلى ظنّها ، إذ قد يكون تكليفنا الظاهري حينئذ أمرا آخر.
وفيه : أنّ الحكم الظاهري التكليفي هو الحكم الواقعي في نظر المكلّف وبحسب اعتقاده ، وليس حكما آخر متعلّقا بالمكلّف مع قطع النظر عن انطباقه مع الواقعي ليقابل سقوط الأوّل ثبوت (١) الثاني ، بل إنّما يثبت الحكم الظاهري من جهة ثبوت التكليف بالواقع وعدم سقوطه عن المكلّف فيضطرّ إلى تحصيل الواقع ، فيكون ما حصّله حكما ظاهريّا متعلّقا به فعلا ، فإن طابق الواقع بحسب الواقع كان واقعيّا أيضا ، وإلّا كان ظاهريّا محضا قائما مقام الواقع ، وبه يسقط تكليفه بالواقع بالنظر إلى الواقع وإن كان مكلّفا به في الظاهر معتقدا كون ما يأتي به هو الواقع فليس الحكم الظاهري أمرا ثابتا مستقلّا مع قطع النظر عن ثبوت التكليف بالواقع وكونه هو الواقع ، وإلّا لكان ذلك أيضا حكما واقعيّا مستقلّا.
نعم قد يكون الحكم الظاهري بالنسبة إلى المكلّف أمرا مخالفا للواقع مع العلم بمخالفته ، كما إذا لم يتمكّن من استعلام المجمل ولم يكن له طريق في الخروج عن عهدة التكليف به ، فإنّه يرتفع عنه ذلك التكليف في الظاهر ، ويحكم ببراءة ذمّته مع علمه بخلافه ، وقد يكون مع الظنّ أو الشكّ في المخالفة كما إذا دار العمل بين الوجوب والندب وظنّ كونه واجبا من غير طريق شرعي أو شكّ فيه ، فإنّه ينفى الوجوب بالأصل ويحكم بالاستحباب مع عدم الظنّ بكونه واقعيّا ، لكنّ ذلك كلّه في مقام رفع الحكم والتكليف لا في مقام إثبات الحكم ، وإن لزمه (٢) ثبوت حكم شرعي ظاهرا في الأخيرين ، وذلك في الحقيقة طريق شرعي للحكم بكونه الواقع بالنسبة إلى ذلك المكلّف وإن لم يثبت به الواقع لا علما ولا ظنّا ، فإنّ الطريق
__________________
(١) في «ق» : ذهاب.
(٢) في «ف» : لزم.