التكليف من غير طريق للمكلّف إلى الوصول إليه أمر عقلي لا يختلف الحال فيه قبل ورود الشرع وبعده.
وثالثا : أنّ تسليم كون نفي التكليف حينئذ مظنونا كاف في مقام رفع الحجّية ، وليس من قبيل الاستدلال بالظنّ على الظنّ ليدور بل رفع الظنّ بالظنّ ، وهو ممّا لا مانع منه ، فإنّه لو كان حجّة لم يكن حجّة ، وما يستلزم وجوده عدمه فهو باطل ، وقد مرّ الكلام فيه.
وأمّا على الثاني فبأنّ كونها عمومات لا تفيد إلّا الظنّ على فرض تسليمه كاف في ما هو مقصود المعترض من رفع حجّية الظنّ ، لما عرفت من جواز رفع الظنّ بالظنّ وأيضا لم يستند إليها المورد في مقام الاستدلال حتّى يورد عليه بذلك ، وإنّما ذكره في مقام التأييد والاستشهاد ليتبيّن اعتضاد ما ادّعاه من حكم العقل بالشواهد الشرعيّة.
ومن الواضح كفاية الدلالة الظنّية في ذلك ، فلا وجه للإيراد عليه بكونه ظنّيا. ودعوى كونها ظاهرة في غير الفروع ممّا لا وجه لها كما مرّت الإشارة إليه. وما ذكره من منع شمول عموم ما دلّ على حجّية القرآن لمحلّ الكلام غير متّجه أيضا ، وكأنّه أراد به منع شمول ما دلّ على حجّية الكتاب بالنسبة إلى هذه الأعصار حسب ما أشار إليه في محلّ آخر وهو مدفوع بما قرّر في محلّه ، حتّى أنّ الإجماع القائم على حجّيته شامل لذلك أيضا كما سيأتي الإشارة إليه إن شاء الله. ولو أراد بذلك المنع من الحجّية بالنسبة إلى خصوص محلّ الكلام نظرا إلى حصول الخلاف المانع من قيام الإجماع على حجّيته بحيث يشمل المقام فهو موهون جدّا ، لوضوح أنّ الإجماع القائم على حجّية الكتاب لا ينافي الخلاف الواقع في المسائل الّتي دلّ بها الكتاب على حكمها ، فلا وجه للقول بكون شمول الإجماع لما نحن فيه أوّل الكلام.
وأمّا على الثالث فبأنّ القول بكون التخيير المذكور مفاد أصالة البراءة إنّما يصحّ بدفع خصوص كلّ من الوجهين بالأصل ، حيث لم يقم عليه دليل قاطع ،