به العقل حينئذ هو الحكم بالأوّل وإبقاء الباقي على ما يقتضيه حكم العقل قبل ذلك ، فهو في الحقيقة استناد إلى القطع دون الظنّ.
والحاصل أنّ الّذي يحكم العقل بحجّيته هو القدر المذكور ويبقى الباقي على مقتضى حكم الأصل (١).
ثالثها : أنّ مقتضى الدليل المذكور حجّية كلّ ظنّ عدا ما قام دليل قطعي أو منته إلى القطع على عدم جواز الرجوع إليه.
وبالجملة ما قام دليل معتبر شرعا على عدم جواز الأخذ به. وحينئذ نقول : إنّه إذا قام دليل ظنّي على تعيّن الرجوع إلى ظنون مخصوصة وعدم جواز الرجوع إلى غيرها تعيّن الأخذ بها ولم يجز الرجوع إلى ما عداها ، إذ مع قيام الظنّ مقام العلم يكون الدليل الظنّي القائم على ذلك منزّلا منزلة العلم بعدم جواز الرجوع إلى سائر الظنون.
فمقتضى ما أفاده الدليل المذكور ـ من حجّية كلّ ظنّ عدا ما دلّ الدليل المعتبر شرعا على عدم جواز الرجوع إليه ـ عدم جواز الرجوع حينئذ إلى سائر الظنون ممّا عدا الظنون الخاصّة ، وليس ذلك حينئذ من قبيل إثبات الظنّ بالظنّ فلا يعتدّ به ، بل إنّما يكون كلّ من الإثبات والنفي بالعلم ، إذ المفروض العلم بقيام الظنّ مقام العلم عدا ما قام الدليل على خلافه.
فإن قلت : إنّه يقع التعارض حينئذ بين الظنّ المتعلّق بالحكم والظنّ المتعلّق بعدم حجّية ذلك لقضاء الأوّل بصحّة الرجوع إليه ودفع الثاني له ، فلابدّ حينئذ من الرجوع إلى أقوى الظنّين المذكورين لا القول بسقوط الأوّل رأسا.
قلت : من البيّن أنّه لا مصادمة بين الظنّين المفروضين ، لاختلاف متعلّقيهما ، لما هو ظاهر من صحّة تعلّق الظنّ بالحكم ، والظنّ بكونه مكلّفا بعدم الاعتداد بذلك الظنّ والأخذ به في إثبات الحكم ، فلا يعقل المعارضة بينهما ليحتاج إلى الترجيح.
__________________
(١) في «ق» : العقل.