من الظنون عنها ، لعدم جواز الاستثناء من القواعد العقليّة ، إذ بعد كون الأخذ بالمظنون راجحا وعدمه مرجوحا وكون ترجيح المرجوح قبيحا لا وجه للقول بعدم جواز الأخذ ببعض الظنون ، لصدق المقدّمات المذكورة بالنسبة إليه قطعا ، فلا وجه لتخلّف النتيجة ، مع أنّ من الظنون ما لا يجوز الأخذ به إجماعا ، بل ضرورة.
إلّا أن يقال : إنّ قضيّة رجحان الشيء أن يكون الحكم به راجحا إلّا أن يقوم دليل على خلافه وهو مع عدم كونه بيّنا ولا مبيّنا غير ما بني عليه الاحتجاج المذكور ، إذ قد يقال: إنّه بعد قيام الدليل على عدم حجّية ذلك الظنّ لا يبقى هناك رجحان في نظر العقل، وهو أيضا بيّن الفساد ، لوضوح عدم المنافاة بين الظنّ بحصول الشيء والعلم بعدم جواز الحكم بمقتضاه.
وقد يقرّر الاحتجاج المذكور بنحو آخر بأن يقال : إنّ الفتوى والعمل بالموهوم مرجوح، أي قبيح قاض باستحقاق الذمّ عند العقل ، والفتوى والعمل بالمظنون راجح ، أي حسن يستحقّ به المدح عند العقل ، فلو لم يجب العمل بالظنّ لزم ترجيح القبيح على الحسن، وهو قبيح ضرورة. أمّا كون الفتوى والعمل بالموهوم قبيحا فلأنّه يشبه الكذب ، بل هو هو بخلاف الحكم بالراجح والعمل به.
وأنت خبير بأنّ ما ذكر من كون الحكم والعمل بمطلق المظنون حسنا عند العقل هو عين المدّعى ، فأخذه دليلا في المقام مصادرة ، إلّا أن يجعل المدّعى حسنه في حكم الشرع ، والدليل على حسنه حكم العقل نظرا إلى ثبوت الملازمة بين حكم العقل والشرع.
وفيه : أنّ الدعوى المذكورة أيضا في مرتبة المدّعى في الخفاء ، لوضوح أنّ القائل بالملازمة بين الحكمين ـ كما هو مبنى الاحتجاج بالعقل ـ إذا لم يثبت عنده حسن العمل بالظنّ شرعا فلا يسلّم استقلال العقل بإدراك حسنه ، فكان اللازم أن يجعل الدليل الدالّ على ذلك دليلا على المطلوب ، وليس في التقرير المذكور ما يفيد الاحتجاج عليه ، إذ ليس فيه سوى دعوى قبح الأوّل وحسن الثاني.
نعم علّل قبح الأوّل بأنّه يشبه الكذب ، بل هو هو وهو على فرض تسليمه