والجواب عن الأوّل ظاهر ، فإنّ وجوب رفع الضرر المظنون بل وما دونه من النظريّات الّتي لا مجال لإنكاره ، كيف! وهو المبدأ في إثبات النبوّات والتجسّس عن الحقّ ، ولولاه لزم إفحام النبيّ في أمره بالنظر إلى معجزته. والتفصيل المذكور بين المضارّ الدنيويّة والاخرويّة من أوهن الخيالات ، إذ لا يعقل الفرق بينهما في ذلك ، بل المضارّ الاخرويّة أعظم في نظر العقل السليم ، لشدّة خطره وعظم المنال فيه ودوامه ، وعدم حيلة للمكلّف في دفعه بعد خروج الأمر من يده. وعدم استقلال العقل في خصوصيّاتها لا يقتضي عدم إدراكه لما يتعلّق بها ولو على سبيل الإجمال.
وأجاب بعض الأفاضل عن الثاني بأنّ مراد المستدلّ أنّه إذا علم بقاء التكليف ضرورة وانحصر طريق معرفة المكلّف به في الظنّ وجب متابعته ولم يجز تركه ، إذ ما ظنّه حراما أو واجبا يظنّ أنّ الله يؤاخذه على مخالفته ، وظنّ المؤاخذة قاض بوجوب التحرّز عقلا ، ولا وجه لمنع ذلك. وما ذكره من سند المنع مدفوع بأنّ وجوب نصب الدلالة القطعيّة (١) بالخصوص على الشارع ممنوع ، وهو أوّل الكلام ، ألا ترى أنّ الإماميّة يقولون بوجوب اللطف على الله في نصب الإمام عليهالسلام لإجراء الأحكام وإقامة الحدود ، ومع ذلك خفي عن الامّة من جهة الظلمة؟ فكما أنّ المجتهد صار نائبا عنه بالعقل والنقل وكان اتّباعه واجبا كاتّباعه ، فكذلك ظنّ المجتهد بقولهم وشرائعهم صار نائبا عن علمه بها ، وكما أنّ الإمامعليهالسلام يجب أن يكون عالما بجميع الأحكام ممّا يحتاج الامّة إليها وإن لم يكونوا محتاجين فعلا ، فكذا يجب على المجتهد الاستعداد لجميع الأحكام بقدر طاقته ليرفع احتياج الامّة عند احتياجهم ، ولا ريب أنّه لا يمكن تحصيل الكلّ باليقين فناب ظنّه مناب يقينه.
نعم لو فرض عدم حصول ظنّ المجتهد في مسألة أصلا رجع فيها إلى أصل البراءة.
__________________
(١) في ط : العقليّة.