والتحقيق : أنّ العقل أو النقل القاضي بكون التكاليف مشروطة بالعقل والقدرة والشعور ونحو ذلك أدلّة مبيّنة للواقع وليست رافعة لشيء من التكاليف ، والرفع هناك إنّما يستند إلى طروّ تلك الحالات بعد ثبوت التكليف على المكلّف ، فإنّه الّذي يرفع عنه التكليف الثابت عليه ، فالأدلّة الدالّة على اشتراط التكليف بانتفاء تلك الامور ليست رافعة لأمر ثابت ، وما يرفع الأمر الثابت من طروّ تلك الحالات بعد تعلّق التكليف ليس دليلا حسب ما قرّرناه ، سواء كان الدليل على بعثها على الرفع العقل أو النقل ، والتقييد بقوله : «متأخّر عنه» للاحتراز عمّا يقضي بارتفاع الحكم ، وممّا يعادل الدليل على الثبوت من استثناء وشرط وصفة ونحوها ، فإنّه لا يعدّ ذلك نسخا.
وفيه : أنّ تلك القيود امور مبيّنة للمقصود ، وليست رافعة للحكم الثابت ، ففيها رفع للدلالة لا رفع للمدلول ، فهي إذن خارجة عن الجنس ، كيف! ولو بنى على شمول الرفع لمثل ذلك فالقيد المذكور غير كاف في إفادة المقصود لاندراج التخصيص بالمنفصل إذن في النسخ ، فلا يكون الحدّ مانعا ، فلو دفع ذلك بكونه بيانا ودفعا لا رفعا ، فهو جار في المتّصل بالأولى.
واورد عليه أيضا : بأنّ قيد التأخّر لا يخرج شيئا من المذكورات فإنّها تقع متأخّرة ، غاية الأمر أن لا تقع متراخية عن الأوّل ، ولا دلالة في التأخّر على التراخي.
ويدفعه : أنّها مع الاتّصال تعدّ مقارنة للخطاب حسب ما نصّوا عليه في بحث العامّ والخاصّ المتعارضين ، والتقييد بالأخير لإخراج ما لا يكون الحكم الأوّل مقتضيا للبقاء ، كما إذا أمره بفعل فأتى به ثمّ نهاه عن ذلك الفعل ، فإنّه لا مقتضى لبقاء ذلك التكليف بعد أدائه ، إذ لا دلالة في الأمر على التكرار فلا يكون الحكم بخلافه نسخا للأمر المفروض. وبعضهم جعل هذا القيد مخرجا للموقّت إذا ورد الحكم بخلافه عند مضيّ وقته ، فإنّه لا يعدّ نسخا ، لعدم شمول الحكم الأوّل لما بعد الوقت.