الرفع بالناسخ ، وعلمه بذلك؟ فقوله «امتنع ان يكون ممتنعا بغيره» بيّن الفساد.
والحاصل : أنّه تعالى كما يعلم انتفاء الحكم في الزمان اللاحق كذا يعلم كون ذلك الانتقاض من جهة رفعه الحكم بالناسخ ، هذا.
وقد ذكروا حدودا اخر للنسخ قد اخذ الإزالة في عدّة منها جنسا ، وهو بمعنى الرفع ، وفي عدّة منها اخذ اللفظ وما بمعناه كالنصّ والخطاب جنسا ، فحدّه الغزالي بأنّه الخطاب المتقدّم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه ، والآمدي بأنّه خطاب الشارع المانع من استمرار ما ثبت من حكم خطاب شرعي سابق ، وعن المعتزلة أنّه اللفظ الدالّ على أنّ الحكم الثابت بالنصّ المتقدّم زائل على وجه لولاه لكان ثابتا.
وعن الجويني أنّه اللفظ الدالّ على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأوّل ، وعن الفقهاء أنّه النصّ الدالّ على انتهاء مدّة الحكم الشرعي مع التأخّر عن مورده ، وعنهم أيضا أنّه الخطاب الثاني الكاشف عن مدّة العبادة أو عن انقطاع زمان العبادة.
وأنت خبير بأنّ أخذ اللفظ وما بمعناه جنسا في المقام غير مناسب ، لوضوح كون النسخ فعلا حاصلا باللفظ المفروض. وإن قلنا بكون الناسخ هو الله سبحانه فإنّ النسخ فعله لا مجرّد قوله ، فهو بقوله الدالّ على الرفع قد رفع الحكم المتقدّم ، وليس نفس قوله رفعا. ولذا لا يصحّ حمله عليه وإن قلنا بكون الناسخ هو القول المفروض ـ كما حكي عن المعتزلة ـ فالأمر ظاهر. فما يستفاد من الآمدي من بناء ذلك على كون الناسخ حقيقة هو الله سبحانه أو الخطاب الصادر منه فعلى القول بكون الناسخ هو الله يكون النسخ هو خطابه الصادر عنه وإن قلنا بكون الناسخ هو الخطاب كما أنّ المنسوخ هو الخطاب لا يكون نفس الخطاب نسخا بل النسخ الأثر الحاصل من الخطاب المفروض ليس على ما ينبغي ، كيف؟ ولا يتحقّق النسخ عنهم إلّا بالنسبة إلى تعلّق الخطاب ، وأمّا نفس الخطاب فهو قديم عندهم فلا يكون ناسخا ولا منسوخا ، فالمرتفع هو تعلّق الخطاب والنسخ رفع ذلك التعلّق.