ومع الغضّ عنه فإنّ غير الأوّليّات ممّا لا يصل إلى الحدّ المذكور وإن بلغت في الوضوح ما بلغت. نعم قد يحصل الاشتباه في المقام في تجريد النظر عمّا عداه وملاحظة الشيء بنفسه من غير ملاحظة لما سواه ، وهو ممّا يمكن (١) تمييزه بالوجدان الصحيح كما في المقام فتعيّن الحال فيها بنحو ما بيّنا.
ومع الغضّ عن ذلك كلّه نقول : إنّا نقطع أيضا أنّ الشرع والعادة ممّا لا مدخل له في العلم المذكور أصلا ، كيف؟ وليس ذلك بأوضح في الشريعة والعادة من سائر ضروريّات الدين من وجوب الصلاة والزكاة والصوم ونحوها وسائر ما جرت عليه العادات في المأكولات والملبوسات والآداب ، ومع ذلك نجد الفرق البيّن بين الأمرين والاختلاف الواضح بين المقامين ونقطع بانتفاء القطع في ما ذكر مع الغضّ عن الشرع والعادة بخلاف ما ذكرنا ، كما لا يخفى.
وأمّا الثاني : فبأنّ المعلوم عند العقل في المقام على سبيل الضرورة هو خصوص استحقاق المدح والذمّ ، مع أنّ موافقة الغرض ومخالفته ممّا يختلف باختلاف المقامات والأغراض ، والحكم المذكور ممّا لا اختلاف فيه ، ولذا يعترف بحسن أحدهما وقبح الآخر من وافق ذلك أغراضه او خالفها ، وصفة الكمال والنقص إذا لوحظت بالنسبة إلى الأفعال لم يبعد إرجاعها إلى محلّ النزاع كما اعترف به صاحب المواقف كما أشرنا إليه.
وأمّا الثالث : فمع اندفاعه إذن بعدم القول بالفصل فاسد من جهة حصول القطع المذكور بالنسبة إلى الله تعالى أيضا.
ألا ترى أنّه لو عاقب ـ العياذ بالله ـ خاتم الأنبياء عليه آلاف السلام والثناء مع أنّه من أوّل عمره الى آخره كان مشتغلا بطاعته متحمّلا للأذى في جنبه لم يعصه طرفة عين ، ولم يحصل منه سوى الانقياد لربّ العالمين ، حتّى أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقع منه مكروه أبدا ولا مباح غالبا فضلا عن الحرام لكان مستقبحا عند العقل مستنكرا في حكمه ، ولذا يقطع العقل بخلافه ولا يحتمل وقوع مثله عن جنابه؟!
__________________
(١) في «ق ٢» : ممّا لا يمكن.