وهو أن يقول : علمي بأنّك صادق في دعوى النبوّة يتوقّف على علمي بعدم صدور المعجزة على يد الكاذب ، وعلمي بذلك يتوقّف على علمي بأنّك صادق ، إذ المفروض كون الحسن والقبح شرعيّين فيلزم توقّف العلم بكونه صادقا على العلم بكونه صادقا.
ويورد على هذه الحجّة بوجهين :
أحدهما : النقض بورود ذلك على القول بالتحسين والتقبيح العقليّين أيضا ، إذ حكم العقل بوجوب النظر في المعجزة يتوقّف على النظر في الدليل الدالّ عليه ، إذ ليس الحكم به بديهيّا ، كيف؟ والحكم بوجوب النظر فيها إنّما هو من جهة استفادة العلم منها بصدق المدّعى ، فيتوقّف الحكم بوجوبه على كون إظهار المعجزة مفيدا للعلم بصدق المدّعي حتّى يكون النظر إليها مفيدا للعلم بصدورها منه ، فيفيد ذلك بانضمام ما دلّ على كون إظهار المعجزة مفيدا للعلم بالصدق يتوقّف ذلك على امور حسب ما مرّت الإشارة إليها من وجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته ، بل عموم علمه للجزئيّات ، وكذا عموم قدرته. وكلّ هذه مطالب نظريّة يتوقّف على إقامة الدليل ، وقد تكفّل بها الكتب الكلاميّة ، فبعد إثبات ذلك بالبرهان يتبيّن بانضمام بعض المقدّمات الخارجيّة وجوب النظر في المعجزة.
فنقول حينئذ على طبق ما ذكر في الاحتجاج : إنّ للامّة أن يقولوا قبل النظر في ذلك: إنّه لا وجوب علينا إلّا بعد حكم العقل بالوجوب ، فلا يجب علينا النظر في المعجزة إلّا بعد حكمه بوجوبه ، والمفروض أنّه نظري فلا يحكم به العقل قبل النظر في دليله وفيه الإفحام.
وبتقرير أخصر : إنّا لا ننظر حتّى يجب علينا النظر ، ولا يجب علينا النظر حتّى ننظر، وربّما يتخيّل لزوم الدور في المقام ، وهو وهم ، إذ ليس من الدور في شيء ، وإنّما يقضي ذلك بعدم وجوب النظر عليهم قبل النظر في الدليل الدالّ على وجوبه ، وهو قاض بالإفحام نظير ما قرّره المستدلّ في المقام.
وثانيهما : الحلّ بظهور الفرق بين وجوب النظر في الواقع والحكم بوجوبه في