الانشائيّين الحاصلين في نظرهم دون الواقعيّين ، ولو فرض كون الإنشاء الصادر منهم باعثا على الوجوب والتحريم الواقعي فلا يتفرّع ذلك واقعا إلّا على أحدهما ، وكيف كان فحصول التكليف على الوجه المذكور قاض بحصول الطاعة والعصيان من الوجهين ، فالحكم بحصول الإطاعة والعصيان على فرض أمر السيّد بالخياطة كيف ما اتّفقت لا يفيد جواز الجمع بينهما في نظر العقل عند صدور التكليف من الحكيم ، وما يتراءى من ظاهر كلام بعض الأعلام ـ من عدم الفرق وأنّه إذا ثبت ذلك في حقّ غيره تعالى ثبت الجواز بالنسبة إليه تعالى أيضا ، إذ المقصود جواز اجتماع الأمر والنهي من غير نظر إلى خصوص المادّة ـ ليس على ما ينبغي. نعم مع ملاحظة الحكمة والعلم بالحقيقة لا فرق بين المقامين.
قوله : (سلّمنا لكن المتعلّق فيه مختلف ... الخ.)
قد يورد عليه تارة : بأنّ المراد بالكون في المقام إمّا نفس الأين والكون في المكان أو خصوص الحركة والسكون على حسب إطلاقه المعروف ، فإن اريد الأوّل كان ذلك من لوازم الفاعل والفعل وكان خارجا عن حقيقة الفعلين ، وإن اريد الثاني لم يعقل خروجه عن حقيقة الفعل في شيء من المقامين ، فإنّ ذلك عمدة أجزائهما وأركانهما سيّما بالنسبة إلى الخياطة إذ ليست الخياطة سوى الحركات الخاصّة الصادرة من الخيّاط فكيف يقال باختلاف المتعلّق هنا دون الصلاة.
وتارة : بعد تسليم خروج الحركات المذكورة عن مفهوم الخياطة فلا شكّ في كونها من مقدّماتها العقليّة وعللها الإعداديّة فتكون واجبة من باب المقدّمة ، فيجتمع الحرمة النفسيّة مع الوجوب الغيري وهو كاف في المقام ، لما عرفت من عدم الفرق.
واخرى : بأنّ ذلك كلّه بعد تسليمه إنّما يكون مناقشة في المثال ، فيندفع بإيراد مثال آخر وهو أن يأمر السيّد عبده بمشي خمسين خطوة في كلّ يوم وينهاه عن الدخول في الحرم فيمشي الخطوات المأمور بها في الحرم ، فإنّه أيضا يعدّ مطيعا عاصيا على نحو ما ذكر في مثال الخياطة من غير فرق.