نعم ، لم يقل أحد من الشيعة بنحو هذه الأقوال بشأن الكافي. وإذا كان الأسترآبادي الأخباري رامَ أن يجعل كلّ أحاديث الكافي قطعيّة الصدور بقرائن لم تنهض بمدّعاه ، فقد ردّه محقّقو الشيعة وأثبتوا بطلان هذه الدعوى ، ويكفي أنّ من جملة الرادّين عليه هو خاتمة المحدّثين وشيخ الأخباريين العلاّمة النوري ( م ١٣٢٠ هـ ) (١).
ولم يذهب أحد إلى القول بأنّ الكليني لم يخرّج الحديث إلاّعن الثقة ، عن مثله في سائر الطبقات ، بل غاية ما يُستفاد من كلامهم ، هو أنّ أخبار الكافي مستخرجة من الاصول المعتبرة التي شاع بين قدماء الشيعة الوثوق بها والاعتماد عليها ، إذ كانت مشهورة معلومة النسبة إلى مؤلّفيها الثقات الأثبات.
كما أنّ إعراض الفقهاء عن بعض مرويّات الكافي ، لا يدلّ على عدم صحّتها عندهم ، ولا ينافي كون الكافي من أجلّ كتبهم ، إذ ربّ صحيح لم يُعمل به ؛ لمخالفته المشهور ، وقد يكون وجه الإعراض لدليل آخر وعلّة اخرى لا تقدح بصحّة الخبر.
وإذا ما عدنا إلى معنى « الصحيح » عند متقدّمي الشيعة وعرفنا المصطلح الجديد فيه ، علمنا أنّ الكليني رحمهالله لم يَجْرِ في الكافي إلاّعلى متعارف الأقدمين في إطلاق الصحيح على كلّ حديثٍ اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، أو اقترنَ بما يوجب الوثوق به والركون إليه. كوجوده في كتب الاصول الأربعمائة ، أو في كتب مشهورة متداولة ، أو لتكرّره في أصل أو أصلين ، أو لوجوده في أصل معروف الانتساب إلى واحد ممّن أجمعوا على تصديقهم والإقرار لهم بالفقه والعلم كزُرارة وأضرابه ، أو كان منقولاً من أحد الكتب التي شاع الاعتماد عليها سواء كانت من كتب الإماميّة ككتاب الصلاة لحريز بن عبدالله السجستاني ، أو من كتب غير الإمامية ككتاب حفص بن غياث القاضي ، وكتاب الحسين ابن عبدالله السعدي ، وكتاب القبلة لعليّ بن الحسن الطاطري (٢).
وعلى أثر فقدان تلك القرائن أو معظمها في عصر السيّد أحمد بن طاووس
__________________
(١) خاتمة مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٥٣٣.
(٢) راجع معنى الصحيح عند القدماء في منتقى الجمان ، ج ١ ، ص ١٤ ؛ مشرق الشمسين ، ص ٣ ؛ الفوائد المدنية ، ص ٥٣ ؛ خاتمة وسائل الشيعة ، ج ٣٠ ، ص ٢٤٣ ـ ٢٤٧ ؛ الوافي ، ج ١ ، ص ٢٢ ـ ٢٣ ؛ مقباس الهداية ، ج ١ ، ص ١٣٩ ؛ مستدركات مقباس الهداية ، ج ٥ ، ص ٩٠ ـ ٩٣.