على إبقاء العدم السابق الثابت بالشرع في عرض واحد لا ترتب بينهما.
وما يتوهم من أنّ الاستصحاب لمّا كان متوقفا على ملاحظة الحالة السابقة بعد الشك ثم إسراء حكم الحالة السابقة كان متأخرا عن الشك الذي هو موضوع حكم العقل بالبراءة ، مدفوع بأنّ نفس حكم الاستصحاب مجعول في هذا الموضوع في الواقع وإن توقف العلم به على إعمال روية والتفات إلى الحالة السابقة فافهم.
واعلم أنّ المصنف (رحمهالله) تعرض لحال هذا الاستصحاب والايراد عليه في أوائل رسالة البراءة جاعلا له من أدلّة البراءة ناقلا عن غيره ، وتعرض للإشكال عليه ببيان أبسط ممّا هنا ، وذكرنا نحن أيضا ما عندنا عليه فراجع.
ثم اعلم أنّ استصحاب البراءة الثابتة قبل ورود الشرع ممّا لا نتعقله ، إذ ليس المراد منها نفس البراءة الراجعة إلى عدم التكليف الأزلي ، بل المراد منها كما هو صريح المتن قاعدة البراءة الثابتة بحكم العقل من جهة قبح التكليف بلا بيان ، وهو فرع حصول الشك فيما يحتاج إليه من حكم العمل ، ولا ريب أنّ حال قبل الشرع ليست محلا لحاجتنا في تكاليفنا حتى يحكم العقل بقبح العقاب والبراءة ثم يستصحب هذه البراءة إلى زماننا هذا ، نعم يمكن تعقله لمن كان مدركا للزمانين وفرضنا أنه حصل له الشك في وجوب غسل الجمعة أو في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلا في الزمان الأول أعني قبل ورود الشرع ، فحكم عقله بالبراءة وقبح العقاب عليه ، ثم فرضنا أنه حصل له الشك أيضا في الزمان الثاني أعني بعد ورود الشرع فيستصحب البراءة الثابتة له قبل ورود الشرع ، وكيف كان لا مجرى لاستصحاب البراءة العقلية فيما هو محل ابتلائنا من الامور ، وظنّي أنّ من تمسك باستصحاب البراءة أراد بها البراءة الواقعية بمعنى عدم التكليف الأزلي ، وتوهم المصنف أنه أراد قاعدة البراءة العقلية وأورد عليه بما أورد.