يوم صفّين أنّه أحبّ الحياة وركن إلى الدّنيا ، جبنا منعنا أن نقاتل معه وأن ننصره ، حيث رفعت لنا المصاحف ، فهلّا ثبت وحرّض على قتال القوم ، وضرب بسيفه حتّى يرجع إلى أمر الله ونقاتلهم ، والله يقول : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) وننقم عليه أنّه حكّم الحكمين فحكما بجور لزمه وزره. ونقمنا عليه أنّه ولّى الحكم غيره ، وهو عندنا من أحكم النّاس. ونقمنا عليه أنّه شكّ في نفسه حين أمر الحكمين أن ينظرا في كتاب الله ، فإن كان معاوية أولى بالأمر ولّوه ، فإن شكّ في نفسه فنحن أعظم فيه شكّا. ونقمنا عليه أنّه كان وصيّا فضيّع الوصيّة. ونقمنا عليك يا بن عبّاس حيث جئت ترفل إلينا في حلّة حسنة تدعونا إليه.
فقال ابن عبّاس : يا أمير المؤمنين قد سمعت ما قال القوم ، وأنت أولى بالجواب منّي! فقال عليّ (عليهالسلام) : لا ترتابنّ ظفرت بهم ، والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة نادهم : ألستم ترضون بما أنبّئكم به من كتاب الله لا تجهلون به وسنّة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا تنكرونه؟ قالوا : اللهمّ بلى ، قال : أبدأ بما بدأتم به ، عليّ مدار الأمر ، أنا كاتب رسول اللهصلىاللهعليهوآله حيث كتبت بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى سهيل بن عمرو وصخر بن حرب ومن قبلهما من المشركين عهدا إلى مدّة. فكتب المشركون : إنّا لو علمنا أنّك رسول الله ما قاتلناك ، فاكتب إلينا باسمك اللهمّ فإنّه الّذي نعرف ، وأكتب إلينا ابن عبد الله ؛ فأمرني فمحوت رسول الله وكتبت ابن عبد الله ، وكتبت إلى معاوية من عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومن قبلهما من النّاكثين عهدا إلى مدّة ، فكتبوا : إنّا لو علمنا أنك أمير المؤمنين ما قاتلناك فاكتب إلينا من عليّ بن أبي طالب نجبك ، فمحوت أمير المؤمنين وكتبت ابن أبي طالب ، كما محا رسول الله صلىاللهعليهوآله وكما كتب ، فإن كنتم تلغون بسم الله الرّحمن الرّحيم أن محاها ، وتلغون رسول الله أن محاها ، ولا تثبتونه. فالغوني ولا تثبتوني ، وإن أثبتّموه ، فإنّ الله تعالى قال : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فاستننت برسول الله صلىاللهعليهوآله ، قالوا : صدقت هذه بحجّتنا هذه.