قال : وأمّا قولكم : إنّي قسمت بينكم ما حوى العسكر يوم البصرة فأحللت الدّماء ومنعتكم النّساء والذّريّة ، فإنّي مننت على أهل البصرة لمّا افتتحتها وهم يدّعون الإسلام ، كما منّ رسول الله صلىاللهعليهوآله على أهل مكّة وهم مشركون لمّا افتتحها ، وكانوا أولادهم ولدوا على الفطرة قبل الفرقة بدينهم ، وإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم ، فلم نأخذ صغيرا بذنب كبير ، وقد قال الله تعالى في كتابه : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لو أنّ رجلا غلّ عقالا من الحرب لأتى يوم القيامة وهو مغلول به ، حتّى يؤدّيه ، وكانت أمّ المؤمنين أثقل من عقال ، فلو غللتها وقسمت سوى ذلك فإنّه غلول ، ولو قسمتها لكم وهي أمّكم لاستحلّ منها ما حرّم الله ، فأيّكم كان يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه وهي أمّه؟ قالوا : لا أحد ، وهذه بحجّتنا هذه.
قال : وأمّا قولكم إنّي حكّمت الحكمين ، فقد عرفتم كراهتي لهما إلّا أن تكذبوا ، وقولي لكم ولّوها رجلا من قريش ، فإنّ قريش لا تخدع ، فأبيتم إلّا أن ولّيتموها من وليتم ، فإن قلتم : سكتّ حيث فعلنا ولم تنكر ... فانّما جعل الله الإقرار على النّساء في بيوتهنّ ولم يجعله على الرّجال في بيوتهم. فإن كذبتم وقلتم : أنت حكمت ورضيت ، فإنّ الله قد حكّم في دينه الرّجال وهو أحكم الحاكمين ، فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وقال : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) فإمّا على الإنسان الاجتهاد في استصلاح الحكمين ، فإن عدلا كان العدل فيما أرياه أولى ، وإن لم يعدلا فيه وجارا ، كان الوزر عليهما (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) قالوا : صدقت وهذه بحجتنا هذه.
قال وأمّا قولكم : إنّي حكّمت وأنا أولى النّاس بالحكم ، فقد حكّم رسول الله صلىاللهعليهوآله سعد بن معاذ يوم اليهود ، فحكم بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ، وجعل أموالهم للمهاجرين دون الأنصار ، فقالوا : صدقت وهذه بحجّتنا هذه.