قال : وأمّا قولكم : إنّي قلت للحكمين : انظروا في كتاب الله فإن كان معاوية أحقّ بها منّي فأثبتوه ، وإن كنت أولى بها فأثبتوني فلو أنّ الحكمين اتّقيا الله ونظرا في القرآن ، عرفا أنّي كنت من السّابقين بإسلامي قبل معاوية ، ومعاوية مشرك ، وعرفت أنّهم إذا نظروا في كتاب الله وجدوني يجب لي على معاوية الاستغفار ، لأنّي سبقته بالإيمان ، ولا يجب لمعاوية عليّ الاستغفار ، ووجدوني يجب لي على معاوية خمس ما غنمتم ، لأنّ الله تبارك وتعالى أمر بذلك إذ يقول (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية ، فإذا حكما بما أنزل الله أثبتوني. ولو قلت : احكموا وأثبتوني ، أبي معاوية لكنّي أظهرت لهم النّصفة حتّى رضي ، كما أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لو قال : أجعل لعنة الله عليكم ، أبوا أن يباهلوا ، ولكن جعل لعنة الله على الكاذبين ، فهم الكاذبون ، واللّعنة عليهم ، ولكن أظهر لهم النّصفة ، فقبلوا ، قالوا : صدقت هذه بحجّتنا هذه.
قال : وأمّا قولكم : إن كان معاوية أهدى منّي فأثبتوه. فإنّني قد عرفت أنّهم لا يجدونه أهدى منّي ، وقد قال تعالى لنبيّه (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ) فقد عرفتم أنّهم لا يأتون بكتاب من عند الله هو أهدى من القرآن ، فكذلك عرفت أنّهم لا يجدون معاوية أهدى منّي.
وأمّا قولكم : إنّ الحكمين كانا رجلا سوء فلم حكّمتهما؟ فإنّهما لو حكما بالعدل لدخلا فيما نحن فيه ، وخرجا من سوئهما ، كما أنّ أهل الكتاب لو حكموا بما أمر الله حيث يقول : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) خرجوا من كفرهم إلى ديننا ، قالوا صدقت وهذه بحجّتنا هذه.
قال : وأمّا قولكم : إنّي كنت وصيّا فضيّعت الوصيّة ، فإنّ الله تعالى قال في كتابه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ولو ترك الحجّ من استطاع إليه سبيلا كفر ، ولم يكن البيت ليكفر ولو تركه النّاس لا يأتونه ، ولكن كان يكفر من كان يستطيع إليه السبيل فلا يأتيه ، وكذلك أنا : إن أكن وصيّا فإنّكم كفرتم بي ، لا أنا كفرت بكم بما تركتموني ، قالوا : صدقت هذه بحجّتنا هذه.