قال : وأمّا قولكم : إنّ ابن عبّاس جاء يرفل في حلّة حسنة يدعوكم إلى ما يدعوكم إليه ، فقد رأيت أحسن منها على رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم حرب.
فرجع إليه من الخوارج أكثر من أربعة آلاف ، وثبت على قباله أربعة آلاف ، وأقبلوا يحكّمون ، فقال عليّ : حكم الله أنتظر فيكم يا هؤلاء؟ أيّكم قتل عبد الله بن خبّاب بن الأرتّ وزوجته وابنته يظهر لي أقتله بهم وأنصرف ، عهدا إلى مدّة حكم الله أنتظر فيكم. فنادوا كلّنا قتل ابن خبّاب وزوجته وابنته وأشرك في دمائهم ؛ فناداهم أمير المؤمنين : أظهروا لي كتائب وشافهوني بذلك ، فإنّي أكره أن يقرّ به بعضكم في الضّوضاء ولا يقرّ بعض ، ولا أعرف ذلك في الضّوضاء ولا أستحلّ قتل من لم يقرّ بقتل من أقرّ ، لكم الأمان حتّى ترجعوا إلى مراكزكم كما كنتم ، ففعلوا وجعلوا كلّما جاء كتيبة سألهم عن ذلك ، فإذا أقرّوا عزلهم ذات اليمين حتّى أتى على آخرهم ، ثمّ قال : ارجعوا إلى مراكزكم. فلمّا رجعوا ناداهم ثلاث مرّات رجعتم كما كنتم قبل الأمان من صفوفكم؟ فنادوا كلّهم : نعم!
فالتفت إلى النّاس فقال : الله أكبر! الله أكبر! والله لو أقرّ بقتلهم أهل الدّنيا وأقدر على قتلهم لقتلتهم ، شدّوا عليهم ، فأنا أوّل من شدّ عليهم وعزل بسيف رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاث مرّات ، كلّ ذلك يسوّيه على ركبتيه من اعوجاجه ثمّ شدّ النّاس معه فقتلوهم فلم ينج منهم تمام عشرة.
فقال : آتوني بذي الثّديّة فإنّه في القوم ، فقلب النّاس القتلى فلم يقدروا عليه ، فأتي فأخبر بذلك فقال : الله أكبر! والله ما كذبت ولا كذبت وإنّه لفي القوم ، ثمّ قال : ائتوني بالبغلة فإنّها هادية مهديّة ؛ فركبها ثمّ انطلق حتّى وقف على قليب ثمّ قال : قلّبوا فقلبوا سبعة من القتلى فوجدوه ثامنهم. فقال : الله أكبر! هذا ذو الثّديّة الّذي خبّرني رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أنّه يقتل مع شرّ خيل ، ثمّ قال : تفرّقوا فلم يقاتل معه الّذين كانوا اعتزلوا ، كانوا وقوفا في عسكره على حدة (١).
__________________
(١) احتجاج علي (عليهالسلام) مع الخوارج ، وهكذا احتجاج ابن عباس لهم مشهورة رواها النسائي ـ