لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض». فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه وألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩) فأمدّهم الله تعالى بالملائكة (١)!!.
الآية : ١٧ ـ قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
الرّمي كان بالحصى والتراب ، وكان ذلك يوم بدر ، فأصاب جميع المشركين في أعينهم ووجوههم (٢).
عن موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبيه قال : أقبل أبيّ بن خلف يوم أحد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يريده ، فاعترض له رجال من المؤمنين ، فأمرهم رسول الله عليهالسلام فخلوا سبيله ، فاستقبله مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار ، ورأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ترقوه أبيّ من فرجة بين سابغة البيضة والدرع ، فطعنه بحربته ، فسقط أبيّ عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم ، وكسر ضلعا من أضلاعه ، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور ، فقالوا له : ما أعجزك؟ إنما هو خدش. فقال : والذي نفسي بيده ، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. فمات أبيّ إلى النار ، فسحقا لأصحاب السعير (٣) ، قبل أن يقدم مكة ، فأنزل الله تعالى ذلك : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٤).
وأكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في رمي النبي عليهالسلام القبضة من حصباء
__________________
(١) السيوطي ١٢٦ ، وصحيح مسلم برقم ١٣٨٤ ، والدر المنثور ، ج ٣ / ١٧٠ ، وتفسير الطبري ، ج ٩ / ١٢٧.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ٧ / ٣٨٥.
(٣) ترقوة : هي العظم الذي في أعلى عظام الصدر. سابغة البيضة : ما سدل من زرد حديد الخوذة ، وهي البيضة. يخور : يخرج صوتا يشبه صوت الثور. بأهل ذي المجاز : سوق من أسواق العرب. فسحقا : بعدا وهلاكا.
(٤) النيسابوري ١٩٦ ، والسيوطي ١٢٧ ، والمستدرك للحاكم : التفسير / الأنفال ، باب : طعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبيّ بن خلف بيده ، ج ٢ / ٣٢٧ ، وصححه وأقره الذهبي.