وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط. وقال أوس بن قيظي في ملأ من قومه : إن بيوتنا عورة ، وهي خارجة من المدينة ائذن لنا فنرجع إلى نسائنا وأبنائنا ، فأنزل الله على رسوله حين فزع عنهم ما كانوا فيه من البلاء يذكرهم نعمته عليهم وكفايته إياهم بعد سوء الظن منهم ومقالة من قال من أهل النفاق : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٩] (١).
الآية : ٢٣ ـ قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢٣).
قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ) الآية. أخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فكبر عليه فقال : أول مشهد قد شهده رسول الله صلىاللهعليهوسلم غبت عنه ، لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليرينّ الله ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية ، ونزلت هذه الآية : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) إلى آخرها (٢).
عن بهز بن أسد قال : أخبرنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر ـ وبه سميت أنسا ـ عن قتال بدر ، فشق عليه لما قدم وقال : غبت عن أول مشهد شهده رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والله لئن أشهدني الله سبحانه قتالا ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون ، فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون ، وأعتذر إليك فيما صنع هؤلاء ـ يعني المسلمين ـ ثم مشى بسيفه ، فلقيه سعد بن معاذ فقال : أي : سعد ، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد ، فقاتلهم حتى قتل. قال أنس : فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة ، من بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية بالسهم ، وقد مثلوا به ، وما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه ، ونزلت هذه الآية : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ). قال : وكنا نقول : أنزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه (٣).
__________________
(١) السيوطي ، ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، وتفسير الطبري ، ج ٢١ / ٨٣.
(٢) السيوطي ٢٢٥ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٧٥.
(٣) النيسابوري ٢٩٤ ، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم ١٩٠٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٣ / ٤٧٥.