وأخرج الحاكم والطبراني عن ابن عمر قال : كنا نقول : ما لمفتتن توبة إذا ترك دينه بعد إسلامه ومعرفته ، فلما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة أنزل فيهم : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية.
وأخرج الطبراني بسند فيه ضعف عن ابن عباس قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى وحشي قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه : كيف تدعوني وأنت تزعم أن من قتل أو زنى أو أشرك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ، وأنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) [سورة مريم ، الآية : ٦٠] ، فقال وحشي : هذا شرط شديد : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) فلعلي لا أقدر على هذا ، فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [سورة النساء ، الآية : ٤٨] ، فقال وحشي : هذا أرى بعده مشيئة فلا أدري أيغفر لي أم لا؟ فهل غير هذا؟ فأنزل الله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) الآية. قال وحشي : هذا نعم ، فأسلم (١).
وقال ابن عمر : نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد ، ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ، ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا ، وكنا نقول : لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا (٢) ، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به؟ فنزلت هذه الآيات ، وكان عمر كاتبا ، فكتبها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ، وأولئك النفر ، فأسلموا وهاجروا (٣).
وعن ابن جريج قال : حدثني يعلى بن مسلم : أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس : أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إن الذي تدعو إليه لحسن ، إن تخبرنا لما عملناه كفارة. فنزلت هذه الآية : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (٤).
__________________
(١) السيوطي ، ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، وتفسير الطبري ، ج ٢٤ / ١٠ ـ ١١ ، وتفسير زاد المسير ، ج ٧ / ١٩٠ ، والدر المنثور ، ج ٥ / ٧٧.
(٢) صرفا : أي نافلة ، وعدلا : أي فريضة.
(٣) النيسابوري ، ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٥ / ٢٦٧ ـ ٢٦٨.
(٤) رواه البخاري في صحيحه : التفسير / الزمر ، باب : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا ..) ، رقم : ٤٥٣٢ ، وانظر مسلم : الإيمان ، باب : كون الإسلام يهدم ما قبله .. ، ـ