(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٤) (١).
وقال محمد بن إسحاق وغيره : نزلت في جفاة بني تميم ، قدم وفد منهم على النبي صلىاللهعليهوسلم فدخلوا المسجد ، فنادوا النبي صلىاللهعليهوسلم من وراء حجرته : أن اخرج إلينا يا محمد ، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين. فآذى ذلك من صياحهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فخرج إليهم فقالوا : إنا جئناك يا محمد نفاخرك ، ونزل فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٤). وكان فيهم : الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ، والزبرقان بن بدر ، وقيس بن عاصم (٢).
الآية : ٦ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا).
نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بني المصطلق مصدقا ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمع القوم تلقوه تعظيما لله تعالى ولرسوله ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ، فهابهم ، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي. فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهمّ أن يغزوهم ، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : سمعنا برسولك ، فخرجنا نتلقاه ونكرمه ، ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى ، فبدا له في الرجوع ، فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) يعني الوليد بن عقبة (٣).
وفي رواية أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق ، فرجع فقال : يا رسول الله ، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي. فضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم البعث إلى الحارث ، وأقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البعث وقد فصل من المدينة ، فلقيهم الحارث ، فقالوا : هذا الحارث ، فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم؟ قالوا : إليك ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٢٠٨.
(٢) النيسابوري ٣١٩ ، والسيوطي ، ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٣٠٩.
(٣) تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ١٦ / ٣١١.