السؤال عن الأهلة وعن دخول البيوت من ظهورها ، فنزلت الآية فيهما جميعا.
قال أبو إسحاق : سمعت البراء يقول : كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ، ولكن من ظهورها ، فجاء رجل فدخل من قبل باب ، فكأنه عيّر بذلك ، فنزلت هذه الآية (١).
وعن الأعمش عن أبي سفيان ، عن جابر قال : كانت قريش تدعى الحمس (٢) ، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام ، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام ، فبينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بستان إذ خرج من بابه ، وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري ، فقالوا : يا رسول الله ، إن قطبة بن عامر رجل فاجر ، وإنه خرج معك من الباب. فقال له : «ما حملك على ما صنعت». قال : رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت. فقال : «إني أحمسي». قال : فإن ديني دينك. فأنزل الله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها).
وقال المفسرون : كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطا ولا بيتا ولا دارا من بابه ، فإن كان من أهل المدن نقب نقبا في ظهر بيته ، منه يدخل ويخرج ، أو يتخذ سلما فيصعد فيه. وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ، ولا يدخل من الباب حتى يحل من إحرامه ، ويرون ذلك ذما ، إلا أن يكون من الحمس ، وهم : قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النضر بن معاوية ، سموا حمسا لشدتهم في دينهم. قالوا : فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات يوم بيتا لبعض الأنصار ، فدخل رجل من الأنصار على إثره من الباب وهو محرم ، فأنكروا عليه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم دخلت من الباب وأنت محرم» فقال : رأيتك دخلت من الباب فدخلت على إثرك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني أحمسي». قال الرجل : إن كنت أحمسيا فإني أحمسي ،
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٢ / ٣٤٤ ، ورواه البخاري : أبواب العمرة ، باب : قول الله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) ، رقم : ١٧٠٩ ، ورواه مسلم : أوائل كتاب التفسير ، رقم : ٣٠٢٦ ، والنيسابوري ٤٤.
(٢) الحمس : سموا بذلك لأنهم تحمسوا في دينهم ، أي : تشددوا ، من الحماسة وهي الشجاعة.