غذي كما يغذى الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث». قالوا : بلى ، قال : «فكيف يكون هذا كما زعمتم». فسكتوا ، فأنزل الله عزوجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها (١).
الآية : ١٢ ـ قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ).
قال الكلبي : عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أن يهود أهل المدينة قالوا ، لما هزم الله المشركين يوم بدر : هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ، ونجده في كتابنا بنعته وصفته ، وأنه لا ترد له راية. فأرادوا تصديقه واتباعه ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى. فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم شكّوا ، وقالوا : لا والله ما هو به. وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا ، وكان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد إلى مدة ، فنقضوا ذلك العهد ، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه ، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم ، وقالوا : لتكونن كلمتنا واحدة. ثم رجعوا إلى المدينة ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية (٢).
وقال محمد بن إسحاق بن يسار : لما أصاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قريشا ببدر ، فقدم المدينة ، جمع اليهود وقال : «يا معشر اليهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ، فقد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليك». فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم بهم بالحرب ، فأصبت فيهم فرصة؟ أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل الله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يعني اليهود (سَتُغْلَبُونَ) تهزمون (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) في الآخرة (٣).
هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس.
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ٤ ، والنيسابوري ، ٨٠ ـ ٨١.
(٢) أسباب النزول للنيسابوري ٨١ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٣٥٦.
(٣) النيسابوري ، ٨١ ـ ٨٢ ، والسيوطي ٤٩ ، وتفسير الطبري ، ج ٣ / ١٢٨ ، وسنن أبي داود برقم ٣٠٠١ ، وفيه ضعف.