«لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا : من يبلغ إخواننا أنّا في الجنة نرزق ، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب؟ فقال الله عزوجل : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١٦٩) (١).
ورواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه ، من طريق عثمان ابن أبي شيبة (٢).
وعن طلحة بن حراش قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «ما لي أراك مهتما» .. قلت : يا رسول الله ، قتل أبي وترك دينا وعيالا ، فقال : «ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا قطّ إلا من وراء حجاب ، وإنه كلّم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي ، سلني أعطك ، قال : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال : يا رب ، فأبلغ من ورائي (٣) ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) الآية ...» (٤).
وعن وكيع ، عن سفيان ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) قال : لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد ، ورأوا ما رزقوا من الخير ، قالوا : ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير ، كي يزدادوا في الجهاد رغبة. فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) إلى قوله : (لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٧١) [سورة آل عمران ، الآية : ١٧١] (٥).
__________________
(١) مسند أحمد برقم ٢٣٨٨ ، وسنن أبي داود برقم ٢٣٨٩ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٩٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٢٦٨.
(٢) المستدرك : التفسير / آل عمران ، باب : أرواح الشهداء في جوف طير ترد أنهار الجنة ، ٢ / ٢٩٧.
(٣) كفاحا : مواجهة ، ليس بينهما حجاب ولا رسول. من ورائي : الذين تركتهم ورائي في الدنيا ولم يستشهدوا.
(٤) سنن الترمذي برقم ٣٠١٠ ، وقال : حسن غريب ، وابن ماجة في سننه برقم ١٩٠ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٢٧.
(٥) النيسابوري ١١٠ ، والسيوطي ، ٦١ ـ ٦٢ ، والدر المنثور ، ج ٢ / ٩٥.